كتاب مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (اسم الجزء: 4)

(دَعْهُ) بِالْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهَا، (وَأَعْطِنِي أُجْرَةَ رَدِّهِ إلَى بَلَدِ غَصْبِهِ) ، أَوْ طَلَبَ مِنْ الْغَاصِبِ حَمْلَ الْمَغْصُوبِ إلَى مَكَانٍ آخَرَ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الرَّدِّ؛ (لَمْ يَجِبْ) ؛ أَيْ: لَمْ يَلْزَمْ الْغَاصِبَ إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ بَذَلَ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَلَا يَسْتَرِدُّهُ، فَإِنَّ الْمَالِكَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَالِكُ مِنْ الْغَاصِبِ رَدَّ الْمَغْصُوبِ إلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ فَقَطْ؛ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إلَى جَمِيعِ الْمَسَافَةِ، فَلَزِمَهُ إلَى بَعْضِهَا كَمَا لَوْ أَسْقَطَ رَبُّ الدَّيْنِ عَنْ الْمَدِينِ بَعْضَ الدَّيْنِ، وَطَلَبَ مِنْهُ بَاقِيَهُ، وَمَهْمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا.

(وَإِنَّ سَمَّرَ) الْغَاصِبُ (بِالْمَسَامِيرِ) الْمَغْصُوبَةِ (بَابًا) أَوْ غَيْرَهُ؛ (قَلَعَهَا) وُجُوبًا، (وَرَدَّهَا) ؛ لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا أَثَرَ لِضَرَرِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ.
تَنْبِيهٌ: وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَامِيرُ مِنْ الْخَشَبَةِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ كَانَتْ مِنْ مَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ قَلْعُهَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْمَالِكُ بِقَلْعِهَا، فَيَلْزَمُهُ الْقَلْعُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَامِيرُ لِلْغَاصِبِ، فَوَهَبَهَا لِلْمَالِكِ؛ لَمْ يُجْبَرْ الْمَالِكُ عَلَى قَبُولِهَا؛ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْغَاصِبُ عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ مِنْ الْمَذْكُورِ؛ فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الْعَامِلَ.

(وَإِنْ زَرَعَ) الْغَاصِبُ (الْأَرْضَ) الْمَغْصُوبَةَ، ثُمَّ رَدَّهَا - وَقَدْ حَصَدَ زَرْعَهُ - (فَلَيْسَ لِرَبِّهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ - (بَعْدَ حَصْدِ) الزَّرْعِ (إلَّا الْأُجْرَةَ) - أَيْ: أُجْرَةَ الْمِثْلِ عَنْ الْأَرْضِ إلَى تَسْلِيمِ الْغَاصِبِ - لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ عِوَضُهُ؛ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ بِالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ، فَوَجَبَ أَنْ تُضْمَنَ كَالْعَيْنِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ النَّقْصِ إنْ نَقَصَتْ؛ كَسَائِرِ الْغُصُوبِ، وَلَوْ لَمْ يَزْرَعْ الْغَاصِبُ الْأَرْضَ، فَنَقَصَتْ لِتَرْكِ الزِّرَاعَةِ؛ كَأَرَاضِي الْبَصْرَةِ، أَوْ نَقَصَتْ لِغَيْرِ ذَلِكَ؛ ضَمِنَ نَقْصَهَا؛ لِحُصُولِهِ بِيَدِهِ الْعَادِيَةِ، وَإِنْ أَدْرَكَ الْأَرْضَ رَبُّهَا - وَالزَّرْعُ قَائِمٌ - فَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُ الْغَاصِبِ عَلَى قَلْعِهِ؛ لِمَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

الصفحة 9