كتاب النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي (اسم الجزء: 4)

قال القاضي عياض لكن هذه بالمصالح أشبه لأن القصد الاتفاق على شيء يكون علمًا للاجتماع لئلا يحصل الضرر في التأخر بفوات الجماعة وفي التقدم بتعطيلهم عن مصالحهم هذا معناه].
الحادية عشرة: الرؤيا من الأنبياء عليهم السلام وحي ومنه قوله تعالى: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} ومن غيرهم ليست كذلك ولا يبنى عليها حكم شرعي. وكيف انبنى حكم الأذان هنا على رؤيا من رآه من الصحابة رضي الله عنهم. وقد أجاب عنه بعض العلماء من وجوه ثلاثة:
الأول: أنَّه يحتمل أنَّه قيل للنبي - عليه السلام -: أنفذها وحيًا فأنفذها.
الثاني: أنها كانت مما يتشوق إليها ويميل إلى العمل بها، فأمر بها حتَّى ينظر أيقر عليها أم ينهى عنها.
الثالث: أنَّه رأى للأذان نظمًا لا يستطيعه الشيطان ولا يدخل في جملة الوسواس والخواطر المرسلة.
ثم أورد على الأول قوله - عليه السلام - لعمر: "فذلك أثبت" يعني لو استند ذلك إلى وحي من الله لاستغنى عن الاستئناس برؤيا عمر. انتهى.
وأما الثاني فينبني على مسألة الاجتهاد في الأحكام للنبي - عليه السلام - وقد سبق، وذكر أبو داود في "مراسيله": أن عمر لما رأى الأذان في المنام أتى ليخبر به النبي - عليه السلام - وقد جاء الوحي بذلك فما راعه إلا بلالًا يؤذن فقال له النبي عليه السلام: "سبقك بذلك الوحي" وهذا يعضد التأويل الأول.
الثانية عشرة: وقع في حديث ابن زيد أن النبي - عليه السلام - أمر بالأذان لرؤياه وفي حديث عمر قوله: ألا تبعثوا رجلًا ينادي بالصلاة؟ فقال - عليه السلام -: "قم يا بلال فناد بالصلاة"، وظاهره يقتضي التعارض حتَّى حمل ذلك ابن العربي على أن رد حديث عمر وليس كما زعم وطريق الجمع بينهما أن نداء بلال لم يكن إذ أشار به

الصفحة 19