كتاب النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي (اسم الجزء: 4)

عمر على صورة الأذان الشرعي بل لعله على سبيل الإعلام بدخول الوقت وإنما استقر الأذان الشرعي بعد ذلك، ولا يعارض هذا رؤيا عمر لجواز وقوعها بعد ذلك ولا في حديثه أكثر من مطلق النداء.
الثالثة عشرة ولما كان الأذان إنما ثبت عن مشورة أوقعها النبي - عليه السلام - بين أصحابه حتَّى استقر برؤيا من رآه منهم فأقره على فعل غيره وهذا أشبه بالمسنون منه بالواجب وكان مما أمر به - عليه السلام - وواظب عليه وهذا شأن الفرض، اختلف السلف في حكمه فقال عطاء ومجاهد والأوزاعي وداود: الأذان فرض ولم يقولوا على الكفاية وكذلك قالوا في الإقامة وأن الإعادة على من تركها عامدًا أو ساهيًا هذا ما حكاه أبو عمر. وقد ذكر عنهم الماوردي تفصيلًا في ذلك فحكى عن مجاهد أن الأذان والإقامة واجبان عنده معًا لا ينوب أحدهما عن الآخر فإن تركهما أو أحدهما فسدت صلاته. وقال الأوزاعي: الأذان إن كان وقت الصلاة باقيًا أعاد ولم يعد إن كان فائتًا. وقال عطاء: الإقامة واجبة دون الأذان فإن تركها لعذر أجزأه وإن كان لغير عذر قضى، وقال آخرون. الأذان فرض على الكفاية، واختلف أصحابنا في الأذان والإقامة أهما سنتان أم فرضا كفاية على ثلاثة أوجه: أصحها: أنهما سنتان، والثاني: أنهما فرضا كفاية، والثالث: أنهما مسنونان في غير الجمعة وفرض كفاية في الجمعة.
قال ابن عبد البر: وجملة القول في الأذان أنَّه عند مالك وأصحابه سنة مؤكدة واجبة على الكفاية وليس بفرض وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. قال: وتحصيل مذهب مالك في الإقامة أنها سنة أيضًا مؤكدة إلا أنها أوكد من الأذان عنده وعند أصحابه ومن تركها فهو مسيء وصلاته مجزئة وهو قول الشافعي وسائر الفقهاء فيمن ترك الإقامة أنَّه مسيء بتركها ولا إعادة عليه.

الصفحة 20