كتاب إنباه الرواة على أنباه النحاة (اسم الجزء: 4)

عن أعراب المربد، فما نقلها أبو حنيفة عن قاطنى الكوفة، وإذا أردت أن تعرف قلّتها وشذوذها، فتتبّعها في منظوم الشعراء من أهل البادية ومنثور البلغاء منهم، فلا نجدها سارية سائرة، بل هى في كلامهم كالحوشىّ الوحشىّ، ثم إذا تطعّمتها بآلة ذوق الألفاظ، وجدتها غير جليّة الجرس، وإذا وزنتها بميزان الألفاظ ألفيتها غير خفيفة على النّفس.
وجاء عمرو بن بن عبيد المتكلم المعتزلىّ [1] إلى أبى عمرو، فقال: يا أبا عمرو، أخلف الله وعده؟ قال: لا، قال: أفرأيت من وعده الله على عمله عقابا يخلف وعده فيه؟ فقال أبو عمرو: أمن العجمة أتيت أبا عثمان [2]! إنّ الوعد غير الوعيد، إن العرب لا تعد عارا ولا خلفا، والله عز وجل، إذا وعد وفّى، وإذا أوعد ثم لم يفعل كان ذلك كرما وتفضّلا، وإنما الخلف أن تعد خيرا ثم لا تفعله، قال:
وأجد هذا في كلام العرب؟ قال: نعم، أما سمعت قول الأوّل:
ولا يرهب ابن العمّ ما عشت صولتى ... ولا أختفى من صولة المتهدّد [3].
وإنى وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادى ومنجز موعدى
وتكلم في هذه الآية: (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ)
[4] قال: فكيف خرج القول من الفريقين بلفظ واحد، وهو وعد؟ فقال: لأن العرب تقول:
«وعدته خيرا ووعدته شرا» فلو أسقطوا الخير والشر، قيل في الخير: وعدت، وفي الشّر: أوعدت.
__________
[1] هو عمرو بن عبيد بن باب. شيخ المعتزلة، وأحد الزهاد المشهورين. توفى سنة 144.
ابن خلكان 1: 384.
[2] أبو عثمان، كنية عمرو بن عبيد.
[3] لعامر بن الطفيل. اللسان (وعد).
[4] سورة الأعراف 44

الصفحة 139