كتاب إنباه الرواة على أنباه النحاة (اسم الجزء: 4)

[وقال سعدون: قلت للكسائىّ: الفرّاء أعلم أم الأحمر [1]؟]، فقال:
الأمر أكثر حفظا، والفرّاء أحسن عقلا، وأنفذ فكرا، وأعلم بما يخرج من رأسه.
وقال سلمة: خرجت من منزلى، فرأيت أبا عمر الجرمىّ واقفا على بابى، فقال لى: يا أبا محمد، امض بى إلى فرّائك [2] هذا، فقلت: امض، فانتهينا إلى الفرّاء وهو جالس على بابه، يخاطب قوما من أصحابه في النحو، فلمّا عزم على النّهوض، قلت له: يا أبا زكرياء، هذا أبو عمر صاحب البصريين، تحبّ أن تكلّمه في شىء؟ فقال: نعم، ما يقول أصحابك في كذا وكذا! قال: يلزمهم كذا وكذا، ويفسّر هذا من جهة كذا وكذا، قال: فألقى عليه مسائل، وعرّفه الإلزامات فيها، فنهض وهو يقول: يا أبا محمد، ما هذا الرّجل إلا شيطان. وكرر ذلك مرتين أو ثلاثا [3].
أنبأنا زيد بن الحسن، أخبرنا القزّاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسين السّليطىّ بنيسابور، حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصمّ، قال: سمعت محمد بن الجهم، يقول: سمعت الفرّاء يقول: كان عندنا رجل يقرأ القرآن برأيه، فقيل له: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ [4])
؟ فقال: رجل سوء والله، فقيل: (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ [4])
قال: فسكت طويلا ثم قال:
من هذا أعجب [5]!
__________
[1] تكملة من ب وتاريخ بغداد.
[2] تاريخ بغداد: «فرّاثكم».
[3] تاريخ بغداد 14: 154.
[4] سورة الماعون 1، 2.
[5] تاريخ بغداد 14: 154.

الصفحة 21