كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 106
له ما يريد ) و ( الحال أن ) ما كنت لديهم ) أي عند إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام في هذا النبأ الغريب جداً ) إذ ) أي حين ) أجمعوا أمرهم ( على رأي واحد في إلقاء يوسف عليه الصلاة والسلام في الجب بعد أن كان مقسماً ) وهم يمكرون ) أي يدبرون الأذى في خفية ، من المكر وهو القتل - لتعرف ذلك بالمشاهدة ، وانتفاء تعلمك لذلك من بشر مثل انتفاء كونك لديهم في ذلك الحين ، ومن المحقق لدى كل ذي لب انه لا علم إلا بتعليمن فثبت أنه لا معلم لك إلا الله كما علم إخوانك من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فيا له من دليل جل عن مثيل ، وهذا من المذهب الكلامي ، وهو إيراد حجة تكون بعد تسليم المقدمات مستلزمة للمطلوب ، وهو تهكم عظيم ممن كذب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
ولما سألت قريش واليهود رسول الله صلى الله عليه السلام - كما نقله أبو حيان عن ابن الأنباري - عن قصة يوسف عليه الصلاة والسلام فنزلت مشروحة هذا الشرح الشافي ، مبينة هذا البيان الوافي ، فأمل ( صلى الله عليه وسلم ) أن يكون ذلك سبب إسلامهم فخالفوا تأميله ، عزاه الله بقوله : ( وما ) أي نوحيه إليك على هذا الوجه المقتضي لإيمانهم والحال أنه ما ) أكثر الناس ) أي كلهم مع ذلك لأجل ما لهم من الاضطراب ) ولو حرصت ) أي على إيمانهم ) بمؤمنين ) أي بمخلصين في إيمانهم واصفين الله بما يليق به من التنزه عن شوائب النقص ، فلا تظن أنهم يؤمنون لإنزال ما يقترحون من الآيات ، أو لترك ما يغيظهم من الإنذار ؛ والكثير - قال الرماني : العدة الزائدة على مقدار غيرها ، والأكثر : القسم الزائد على القسم الآخر من الجملة ، ونقيضه الأقل ؛ والناس : جماعة الإنسان ، وهو من ناس ينوس - إذا تحرك يمنياً وشمالاً من نفسه لا جر غيره .
ولما ذكر تعالى ما هم عليه من الكفر ، ذكر ما يعجب معه منه فقال : ( وما ) أي هم على ذلك والحال أن موجب إيمانهم موجود ، وذلك أنك - مع دعائهم إلى الطريق الأقوم وإيتانك عليه بأوضح الدلائل مت ) تسئلهم عليه ) أي هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك ، وأعرق في النفي فقال : ( من أجر ( حتى يكون سؤالك سبباً لأن يتهموك أو يقولوا : لولا أنزل عليه كنز ليستغنى به عن سؤالنا .
ولما نفي عنهم سؤالهم الأجر ، نفي عن هذا الذكر كل غرض دنيوي فقال : ( إن هو ) أي هذا الكتاب ) إلا ذكر ) أي تذكير وشرف ) للعالمين ( قال الرماني : والذكر : حضور المعنى للنفس ، والعالم : جماعة الحيوان الكثيرة التي من شأنها أن تعلم ، لأنه أخذ من العلم ، وفيه معنى التكثير ، وقد يقال : عالم الفلك وما حواه على طريق التبع للحيوان الذي نتنفع به وهو مجعول لأجله .