كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 108
يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) 73
( ) 71
ولما أخبر الله تعالى عن ارتباكهم في أشراك إشراكهم ، وأنهم يتعامون عن الأدلة في الدنيا ، وكان الأكثر المبهم القطع بعدم إيمانهم من توجيه الأمر والنهي والحث والزجر إلى الجميع وهم في غمارهم ، وكان بعض الناس كالحمار لا ينقاد إلا بالعذاب ، قال سبحانه وتعالى : ( أفأمنوا ( إنكاراً فيه معنى التوبيخ والتهديد ) أن تأتيهم غاشية ) أي شيء يغطيهم ويبرك عليهم ويحيط بهم ) من عذاب الله ) أي الذي له الأمر كله في الدنيا كما أتى من ذكرنا قصصهم من الأمم .
ولما كان العاقل ينبغي له الحذر من كل ممكن وإن كان لا يقربهن قال تعالى : ( أو تأتيهم الساعة ( وأشار إلى أشد ما يكون من ذلك على القلوب بقوله : ( بغتة ) أي وهم عنها في غاية الغفلة بعدم توقعها أصلاً ؛ قال الرماني : قال يزيد بن مقسم الثقفي :
ولكنهم بانوا ولم أدر بغتة وأفظع شيء حين يفجؤك البغت
ولما كان هذا المعنى مهولاً ، أكده الله بقوله : ( وهم لا يشعرون ) أي نوعاً من الشعور ولو أنه كالشعرة ، إعلاماً بشدة جهلهم في أن حالهم حال من هو في غاية الأمن مما أقل أحواله أنه ممكن ، لأن الشعور إدراك الشيء بما يلطف كدقة الشعر ، وإنما قلت : إنه تأكيد ، لأنه معنى البغتة ؛ قال الإمام أبو بكر الزبيدي في مختصر العين : البغتة : المفاجأة ، وقال الإمام أبو عبدالله القزاز في ديوانه : فاجأت الرجل مفاجأة - إذا جئته على غفلة مغافصة ، ثم قال : وفاجأته مفاجأة - إذا لقيته ولم يشعربك ، وفي ترتيب المحكم : فجئه الأمر وفجأه وفاجأه مفاجأة : هجم عليه من غير أن يشعر به ، ويلزم ذلك الإسراع وهو مدار هذه المادة ، لأنه يلزم أيضاً التغب - بتقديم المثناة محركاً وهو الهلاك ، لأنه أقرب شيء إلى الإنسان إذ هو الأصل في حال الحدث ، والسلامة فيه هي العجب ، والتغب أيضاً : الوسخ والدرن ، وتغب - بكسر الغين : صار فيه عيب ، ويقال للقحط : تغبة - بالتحريك ، والتغب - ساكناً : القبيح والريبة ، وكل ذلك أسرع إلى الإنسان من أضداده إلا من عصم الله ، وما ذاك إلا لأن هذه الدار مبينة عليه .
ولما وصف الله سبحانه له ( صلى الله عليه وسلم ) أكثر الناس بما وصف من سوء الطريقة للتقليد الذي منشؤه الإعراض عن الأدلة الموجبة للعلم ، أمر أن يذكر طريق الخلّص فقال : ( قل ) أي يا أعلى الخلق وأصفاهم وأعظمهم نصحاً وإخلاصاً : ( هذه ) أي الدعوة إلى الله على ما دعا إليه كتاب الله وسننه ( صلى الله عليه وسلم ) ) سبيلي ( القريبة المأخذ ، الجلية الأمر ، الجلية الشأن ، الواسعة الواضحة جداً ، فكأنه قيل : ما هي ؟ فقال : ( أدعوا ( كل من

الصفحة 108