كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 109
يصح دعاؤه ) إلى الله ( الحائز لجميع الكمال حال كوني ) على بصيرة ) أي حجة واضحة من أمري بنظري الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة وترك التقليد الدال على الغباوة والجمود ، لأن البصيرة المعرفة التي يتميز بها الحق من الباطل ديناً ودنيا بحيث يكون كأنه يبصر المعنى بالعين .
ولما كان الموضع في غاية الشرف ، أكد الضمير المستتر تعييناً وتنبيهاً على التأهل لظهور الإمامة ، فقال : ( أنا ومن ) أي يدعو كذلك من ) اتبعني ( لا كمن هو على عمى جائر عن القصد ، حائر في ضلال التقليد ، فهو لا يزال في غفلة هدفاً للحتوف ؛ والاتباع : طلب الثاني اللحاق بالأول للموافقة في مكانه أو في أمره الذي دعا إليه ، ومما دخل تحت ) قل ( عطفاً على ) أدعوا ( قوله : منبهاً على أن شرط كل دعوة إليه سبحانه اقترانها بتنزيهه عن كل شائبة نقص - ) وسبحان الله ) أي وأسبح الذي اختص بصفات الكمال سبحاناً ، أي أقدره حق قدره فأثبت له من صفات الكمال ما يليق بجلاله ، وأنزهه عما هو متعال عنه تنزيهاً يعلم هم أنه يليق بجلالة ويرضى به ، وفي تخصيص الله بذلك عقب ما أثبت له ولأتباعه تلويح بنسبة النقص إليهم تواضعاً ، اعتذاراً عما يلحقهم من الوهن وطلباً للعفو عنه ) وما أنا ( وعدل عن ( مشركاً ) إلى أبلغ منه فقال : ( من المشركين ) أي في عداد من يشرك به شيئاً بوجه من الوجوه ، لأني علمت بما آتاني من البصيرة أنه منعوت بنعوت الكمال ، منزه عن سمات النقص ، متعال عنها ، وأن ذلك أول واجب لأنه الواحد الذي جل عن المجانسة ، القهار الذي كل شيء تحت مشيئته ، وفسرت ) سبحان ( بما تقدم لأن مادة ( سبح ) بكل ترتيب تدور على القدر والشدة والاتساع ؛ وتارة يقتصر فيه على الكفاية ومنه الحسب : مقدار الشيء .
وتارة يقتصر فيه على الكفاية فيلزمه الحصر ومنه : أحسبني الشيء : كفاني ، واحتساب الأجر : الاكتفاء به ، والحساب : معرفة المقدار ، والحسب بمعنى الظن راجع إلى ذلك أيضاً ، والأحسب : الذي ابيضت جلدته من داء وفسدت شعرته ، بمعنى أن ذلك الداء كفاه في الفساد عن كل داء كأنه ما بقي يسع معه داء ، والتحسيب : التكفين بما يسع الميت ، وهو كفاية له لا يحتاج بعده إلى شيء ، ومنه الحبس وهو المنع من مجاوزة الكفاية ؛ وتتجاوز الكفاية فيسبح ويتسع مداه فلا ينحصر ومنه : الحسب - بالتحريك ، وهو الشرف ؛ ومنه السحب وبه سمي السحاب لانسياحه في الهواء ؛ ومنه السبح في الماء ، ومد الفرس يديه في الجري ، والسبحة : صلاة التطوع - لأنه لا حد لها يحصرها ، ولأنها تجاوزت الفرض ، والسبح : الفراغ - للتمكن معه من الانبساط ، والتسبيح : التنزيه - لأنه الإبعاد عن النقص ، قال الرماني : وأصله البراءة من الشيء ، وقال ابن مكتوم في الجمع