كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 115
فتشول أي ترفع ذنبها ثم ترجع حائلاً ، لأنها أخلفت ظن حملها ، وكذا إذا ظن بها لبن وليس بها ، ويقال لمن يصاح به وهو ساكن يرى أنه نائم : قد أكذب ، أي عد ذلك الصياح عدماً ، والمكذوبة من النساء : الضعيفة ، لأنه لما اجتمع فيها ضعف النساء وضعفها عدت عدماً ، والمكذوبة على القلب : المرأة الصالحة - كأنها لعزة الصلاح في النساء جعلت عدماً ، وكذب الوحشي - إذا جرى ثم وقف ينظر ما وراءه ، كأنه لم يصدق بالذي أنفره ، ومنه كذب عن كذا - إذا أحجم عنه بعد أن أراده ، أو لأنه كذب ما ظنه عنه الحملة من قتل الأقران ، وكذبك الحج لعظم مشقته وطول شقته تنفر النفس عنه ، وهو يؤول إلى الحث لأن المعنى أن الحج لعظم مشقته وطول شقته تنفر النفس عنه ، فيكاد أن لا يوجد ، وكذا الصيد لشدة فراره وسرعة نفارة وعزة استقراره يكاد أن لا يتمكن منه فيكون صيده كالكذب لا حقيقة له ، فقد تبين حينئذ وجه كون ( كذب ) بمعنى الإغراء ولاح أن قوله ( ثلاثة أسفار كذبن عليكم : الحج والعمرة والجهاد ) معناه أنها لشدة الصعوبة لا تكاد تمكن من أرادها منها ، مع أنه - لقوة داعيته لكثرة ما يرى فيها من الترغيب بالأجر - يكون كالظافر بها ، ويؤيده ما قال ابن الأثير في النهاية عن الأخفش : الحج مرفوع ومعناه نصب ، لأنه يريد أن يأمره بالحج كما يقال : أمكنك الصيد ، يريد : ارمه ، وقال أبو علي الفارسي في الحجة في قول عنترة :
كذب العتيق وماء شن بارد إن كنت سائلتي غبوقاً فاذهبي
وإن شئت قلت : إن الكلمة لما كثر استعمالها في الإغراء بالشيء والعبث على طلبه وإيجاده صار كأنه قال بقوله لها : عليك العتيق ، أي الزميه ، ولا يريد نفيه ولكن إضرابها عما عداه ، فيكون العتيق في المعنى مفعولاً به إن كان لفظه مرفوعاً ، مثل ( سلام عليكم ) ونحوه مما يراد به الدعاء واللفظ على الرفع ، وحكى محمد بن السري رحمه الله عن بعض أهل اللغة في ( كذب العتيق ) أن مضر تنصب به وأن اليمن ترفع به ، وقد تقدم وجه ذلك - انتهى .
وأقرب من ذلك جداً وأسهل تناولاً وأخذاً أن الإنسان لا يزال منيع الجناب مصون الحجاب ما كان لازماً للصدق فإذا كذب فقد أمكن من نفسه وهان أمره ، فمعنى ( ثلاثة أسفار كذبن عليكم أمكنتكم من أنفسها ، الحج كل سنة بزوال مانع الكفار عنه ، والعمرة كل السنة بزوال المفسدين بالقتل وغيره في أشهر الحل ، والجهاد كل السنة أيضاً لإباحته في الأشهر الحرم وغيرها ، وتخريج مثل : كذبتك الظهائر ، وغيرها على هذا بين الظهور ولا قفه فيه ولكون الكاذب يبادر إلى المعاذير ويحاول التخلص كان التعبير بهذا من باب الإغراء ، أي انتهز الفرصة وبادر تعسر هذا الإمكان .
ولما ذكر سبحانه هذه القصص كما كانت ، وحث على الاعتبار بها بقوله : ( أفلم