كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 124
بقوله : ( لقوم ) أي ذوي قوة زائدة على القيام فيما يحاولونه ) يتفكرون ) أي يجتهدون في الفكر ، قال الرماني : وهو تصرف القلب في طلب المعنى ، ومبدأ ذلك معنى يُخطره الله تعالى على بال الإنسان فيطلب متعلقاته التي فيها بيان عنه من كل وجه يمكن فيه ، والختم بالتفكير إشارة إلى الاهتمام بإعطاء المقام حقه في الرد على الفلاسفة ، فإنهم يسندون حوادث العالم السفلي إلى الاختلافات الواقعة في الأشكال الكوكبية ، وهو كلام ساقط لمن تفكر فيما قرره سبحانه في الآية السالفة من إسقاط وروده من أنه سبحانه هو الذي أوجد الأشياء كلها من عدم ثم أخذ في تدبيرها ، فاختصاص كل شيء من الأجرام العلوية بطبع وصفة وخاصية إنما هو بتخصيص المدبر الحكيم الفاعل بالاختيار ، فصار وجود الحوادث السفلية لو سلم أنه متأثر عن الحوادث العلوية إنما يكون مستنداً إليها باعتبار السببية ، والسبب والمسبب مستند إلى الصانع القديم المدبر الحكيم .
ولما كان الدليل - مع وضوحه - فيه بعض غموض ، شرع تعالى في شيء من تفصيل ما في الأرض من الآيات التي هي أبين من ذلك دليلاً ظاهراً جداً على إبطال قول الفلاسفة ، فقال : ( وفي الأرض ) أي التي أنتم سكانها ، تشاهدون ما فيها مشاهدة لا تقبل الشك ) قطع متجاورات ( فهي متحدة البقعة مختلفة الطبع ، طيبة إلى سبخة ، وكريمة إلى زهيدة ، وصلبة إلى رخوة ، وصالحة للزرع لا للشجر وعكسها ، ومع انتظام الكل في الأرضية ) وجنات ( جمع جنة ، وهي البستان الذي تجنه الأشجار ) من أعناب ( وكأنه قدمها لأن أصنافها - الشاهدة بأن صانعها إنما هو الفعال لما يريد - لا تكاد تحصر حتى أنه في الأصل الواحد يحصل تنوع الثمرة ولذلك جمعها .
ولما كان تفاوت ما أصله الحب أعجب ، قال : ( وزرع ) أي منفرداً - في قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحفص عن عاصم بالرفع ، وفي خلل الجنات - في قراءة الباقين بالجر .
ولما كان ما جمعه أصل واحد ظاهر أغرب أخر قوله : ( ونخيل صنوان ( فروع متفرقة على أصل واحد ) وغير صنوان ( باعتبار افتراق منابتها وأصولها ؛ قال أبو حيان : والصنو : الفروع يجمعه وآخر أصل واحد ، وأصله المثل ، ومنه قيل للعم : صنو وقال الرماني : والصنوان : المتلاصق ، يقال : هو ابن أخيه صنو أبيه أي لصيق أبيه في ولادته ، وهو جمع صنو ، وقيل : الصنوان : النخلات التي أصلها واحد - عن البراء بن عازب وابن عباس ومجاهد وقتادة رضي الله عنهم ؛ وقال الحسن رضي الله عنه : الصنوان : النخلتان أصلها واحد - انتهى .
وهو تركيب لا فرق بين مثناه وجمعه إلا بكسر النون من غير تنوين وإعرابها مع التنوين ، وسيأتي في ياس إن شاء الله تعالى سر تسمية الكرم بالعنب .

الصفحة 124