كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 128
الصانع وما له م صفات الكمال ، فلما كفروا بما أتاهم كانوا جديرين بالكفر بما يأتيهم فقال : ( ويقول ) أي على سبيل الاستمرار ) الذين كفروا ( استهزاء بالقدرة ) لولا ) أي هلا ولم لا ) أنزل ) أي بإنزال أيّ كائن كان ) عليه آية ( جاحدين عناداً لما أتاه من الآيات ) من ربه ) أي المحسن إليه تصديقاً له .
ولما كان الني صلى الله عليه وعلى آله وسلم راغباً في إجابة مقترحاتهم لشدة التفاته إلى أيمانهم ، كان كأنه سأل في ذلك لتحصل لهم النجاة ، فأجيب بقوله تعالى - مقدماً ما السياق أولى به لأنه لبيان أن الأكثر لا يؤمن - : ( إنما أنت منذر ) أي نبي منذر هاد لهم تهديهم ببيان ما أنزله عليك مما يوقع في الهلاك أو يوصل إلى النجاة ، سائر فيهم على حسب ما أحدّه لك ، وأصل الإنذار الإعلام بموضع المخافة ليتقى ، لا أنك مثبت للإيمان في الصدور ) ولكل قوم ( ممن أرسلنا إليهم نبي ) هاد ) أي داع يهديهم إلى مراشدهم ومنذر ينذرهم من مغاويهم ، أي يبين لهم ما أرسلنا به من النذارة والبشارة ، وأعطى كل منذر وهاد آيات تليق به وبقوله على مثلها يؤمن البشر ، فيهدي الله من يعلم فيه قابلية الهدى بما نصب من الآيات المشاهدات ، فلا يحتاج إلى شيء من المقترحات ، ويضل من يعلم فيه دواعي الضلال ولو جاءته كل آية ، لأنه الذي جبلهم على طبائع الخير والشر
77 ( ) ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ( ) 7
[ تبارك : 14 ] فهو كقوله تعالى :
77 ( ) وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ( ) 7
[ فاطر : 24 ] وكقوله في هذه السورة ) ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ( والآية من الاحتباك : ذكر المنذر أولاً يدل على حذفه ثانياً ، وذكر الهاد ثانياً دال على حذف مثله أولاً .
ولما كان ما مضى مترتباً على العلم والقدرة ولا سيما ختم هذه الآية بهاد ، وكان إنكارهم البعث إنكاراً للنشأة الأولى ، وكان سبحانه وتعالى يعلم أن إجابتهم إلى ما اقترحوا غير نافع لهم ، لأنهم متعنتون لا مسترشدون ، شرع سبحانه - بعد الإعراض عن إجابة مقترحاتهم - يقرر من أفعاله المحسوسة لهم المقتضية لاتصافه من العلم والقدرة بما هو كالإعادة سواء إشارة منه تعالى إلى أن إنكار البعث إن كان لاستحالة الإعادة فهي مثل البداءة ، وإن كان لاستحالة تمييز التراب الذي كان منه الحيوان - بعد اختلاطه بغيره وتفرق أجزائه - فتمييز الماء الذي يكون منه الولد من الماء الذي لا يصلح لذلك أعجب ، لأن الماء أشد اختلاطاً وأخفى امتزاجاً ، و مع ذلك فهو يعلمه فقال : ( الله ) أي المحيط بكل شيء علماً وقدرة ) يعلم ) أي علماً قديماً في الأزل بما سيوجد وعلماً يتجدد تعلقه بحسب حدوث الحادثات على الاستمرار ) ما تحمل ) أي الذي تحمله في