كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 131
ولما دل هذا على غاية القدرة ، وجرت عادة المتمكنين من ملوك الأرض بالتعدي على جيرانهم واستلاب ممالكهم والعسف في شأنهم ، زيادة في المكنة وتوسعاً في الملك ، ولا سيما إذا كان ذلك الجار ظاناً مع ضعفه وعجزه أن يحفظه مانه من أخذه ، أخبر تعالى من كأنه سأل عن ذلك أنه غير هذا لغناه عنه ، فقال : ( إن الله ) أي الذي له الإحاطة والكمال كله ) لا يغير ما بقوم ) أي خيراً كان أوشراً ) حتى يغيروا ما ) أي الذي ) بأنفسهم ( مما كانوا يزينونها به من التحلي بالأعمال الصالحة والتخلي من أخلاق المفسدين ، فإذا غيروا ذلك غير ما بهم إذا أراد وإن كانوا في غاية القوة .
ولما كان ملوك الدنيا لا يتمكنون غالباً من جميع مراداتهم لكثرة المعارضين من الأمثال الصالحين للملك ، قال تعالى عاطفاً على ما تقديره : فإذا غيروا ما بأنفسهم أنزل بهم السوء : ( وإذا أراد الله ) أي الذي له صفات الكمال ) بقوم ) أي وإن كانوا في غاية القوة ) سوءاً فلا مرد له ( من أحد سواه ، وقد تقدم لهذه الآية في الأنفال مزيد بيان .
ولما كان كل أحد دونه في الرتبة لا إمكان له أن يقوم مقامه بوجه ، قال : ( وما لهم وبين سفول الرتب كلها عن رتبته فقال : ( من دون ( وأعرق في النفي فقال : ( من ( ولما كان السياق ظاهراً في أنه لا منفذ لهم مما أراده ، أتى بصيغة فاعل منقوص إشارة إلى نفي أدنى وجوه الولاية فكيف بما فوقها فقال : ( وال ) أي من ملجأ يعيذهم ، بأن الفعل معهم من الإنجاء والنصرة ما يفعل القريب مع وليه الأقرب إليه ، ثم أخبر تعالى بأمر هو أدلة ما قبله جامع للعلم والقدرة وهو ألطف من ذلك كله ، معلم بجليل القدرة في أنه إذا أراد سوءاً فلا مرد له ، ودقيق الحكمة لأنه مظهر واحد ترجى منه النعمة وتخشى منه النقمة فقال : ( هو ) أي وحده ) الذي يريكم ) أي على سبيل التجديد دائماً ) البرق ( وهو لمع كعمود النار ) خوفاً ) أي لأجل إرادة الخوف من قدرته على جعله صواعق مهلكة ، والخوف : انزعاج النفس بتوهم وقوع الضر .
ولما لم يكن لهم السبب في إنزال المطر ، لم يعبر بالرجاء وقال : ( وطمعاً ) أي ولأجل إرادة طمعكم في رحمته بأن يكون غيثاً نافعاً ، ولا بد من هذا التقدير ليكونا فعل فاعل الفعل المعلل ، ويجوز أن يكون المعنى : يريكم ذلك إخافة وإطماعاً فتخافون خوفاً وتطمعون طمعاً ، فتكون الآية من الاحتباك : فعل الإراءة دال على الإخافة والإطماع ، والخوف والطمع دالان على ( تخافون وتطمعون ) ويجوز أن يكونا حالين من ضمير المخاطبين أي ذوي خوف وطمع ) وينشىء ( والإنشاء : فعل الشيء من غير سبب مولد ) السحاب ( وهو غيم ينسحب في السماء ، وهو اسم جنس جمعي ، واحده سحابه ) الثقال ( بأنهار الماء محمولة في الهواء على متن الريح ؛ والثقيل : الاعتماد على جهة