كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 135
رتبتهم بقوله : ( من دونه ) أي الله ) لا يستجيبون ) أي لا يوجدون الإجابة ) لهم ) أي الكافرين ) بشيء ( والاستجابة : متابعة الداعي فيما دعا إليه بموافقة إرادته ) إلا كباسط ) أي إلا إجابة الماء لباسط ) كفيه ( تثنيه كف ، وهو موضع القبض باليد ، وأصله من كفه - إذا جمع أطرافه ) إلى الماء ليبلغ ) أي الماء ) فاه ( دون أن يصل كفاه إلى الماء - بما يدل عليه التعدية ب ( إلى ) ، فما الماء بمجيب دعاءه في بلوغ فيه ) وما هو ) أي الماء ) ببالغه ) أي فيه ، فللكافرين بذلك دعوة الباطل كما أن الماء جماد لا يحس بدعوة هذا فلا يجيبه ، فأصنامهم كذلك .
ولما كان دعاؤهم منحصراً في الباطل ، قال في موضع ( وما دعاؤهم ) مظهراً تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف : ( وما دعاء الكافرين ) أي الساترين لما دلت عليه أنوار عقولهم بمعبوداتهم أو غيرها ) إلا في ضلال ( لأنه لا يجد لهم نفعاً ، أما معبوداتهم فلا تضر ولا تنفع ، وأما الله فلا يجيبهم لتضييعهم الأساس .
الرعد : ( 15 ) ولله يسجد من. .. . .
) وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ( ( )
ولما كانت دعوة الأمرواضحة السبل جلية المناهج في جميع كتبه ، وكلها إلى الناظرين وبين دعوة الحكم بقوله : ( ولله ) أي الملك الأعلى ) يسجد ) أي يخضع وينقاد ويتذلل كما بين عند قوله ) ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ) [ هود : 119 ] ) من في السماوات والأرض ( لجميع أحكامه النافذة وأقضيته الجارية ) طوعاً ( والطوع : الانقياد للأمر الذي يدعى إليه من قبل النفس ) وكرهاً ( قال الرازي رحمه الله : والكافر في حكم الساجد وإن أباه لما به من الحاجة الداعية إلى الخضوع ، واعلم أن سجود كل صنف هو تذلله وتسخره وانقياده لما أريد له ، فكل موجود جماد وحيوان عاقل وغير عاقل وروحاني وغير روحاني مسخر لأمر من له الخلق والأمر ؛ وقال الشيخ محيي الدين النووي رضي الله عنه فس شرح المهذب : أصله - أي السجود - الخضوع والتذلل ، وكل من تذلل وخضع فقد سجد ، وسجود كل موات في القرآن طاعته لما سخر له - هذا أصله في اللغة ، ثم قيل لمن وضع جبهته في الأرض : سجد ، لأنه غاية الخضوع .
ولما كانت الظلال مسخرة لما أراد سبحانه ، لا قدرة لأحد على تغيير ذلك بوجه ، قال : ( وضلالهم ) أي أيضاً تسجد له بامتدادها على الأرض ، تقصر تارة بارتفاع الشمس وتطول أخرى بانحطاطها ، لا يقدرون على منع ظلالهم من ذلك حيث يكون ظلال ، وذلك ) بالغدو ( جمع غداة ، وهي البكرة : أول النهار ) والآصال ( جمع أصيل ، دائماً في جميع البلاد ، وفي وسط النهار في بعض البلاد ؛ والظل : ستر الشخص ما بإزائه ، والفيء : الذي يرجع بعد ذهاب ضوئه ، والأصيل : العشيّ ما بين العصر إلى المغرب - كأنه أصل الليل الذي ينشأ منه .

الصفحة 135