كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 146
يوقعون شيئاً منهما مكان الآخر ؛ والعهد : العقد المتقدم على الأمر بما يفعل أو يجتنب ، والإيفاء : جعل الشيء على مقدار غيره من غير زيادة ولا نقصان .
ولما كان الدليل العقلي محتماً للثبات عليه كما أن الميثاق اللفظي موجب للوفاء به ، قال تعالى : ( ولا ينقضون الميثاق ) أي الإيثاق ولا الوثاق ولا مكانه ولا زمانه ؛ والنقض : حل العقد بفعل ما ينافيه ولا يمكن أن يصح معه ، والميثاق : العقد المحكم وهو الأوامر والنواهي المؤكدة بحكم العقل .
ولما كان أمر الله جارياً على منهاج العقل وإن كان قاصراً عنه لا يمكن نيله له من غير مرشد ، قال : ( والذين يصلون ) أي من كل شيء على سبيل الاستمرار ) ما أمر الله ) أي الذي له الأمر كله ؛ وقال : ( به أن يوصل ( دون ( يوصله ) ليكون مأموراً بوصله مرتين ، ويفيد تجديد الوصل كلما قطعه قاطع على الاستمرار لما تظافر على ذلك من دليلي العقل والنقل ؛ والوصل : ضم الثاني إلى الأول من غير فرج .
ولما كان الدليل يرشد إلى أن الله تعالى مرجو مرهوب قال : ( ويخشون ربهم ) أي المحسن إليهم ، من أن ينتقم منهم إن خالفوا بقطع الإحسان .
ولما كان العقل دالاً بعد تنبيه الرسل على القدرة على المعاد بالقدرة على المبدأ ، وكان الخوف إيجاد مستمراً ) سوء الحساب ( وهو المناقشة فيه من غير عفو ، ومن أول السورة إلى هنا تفصيل لقوله تعالى أول البقرة
77 ( ) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ( ) 7
[ البقرة : 1 ] مع نظره إلى قوله آخر يوسف
77 ( ) ما كان حديثاً يفترى ( ) 7
[ يوسف : 111 ] .
ولما كان الوفاء بالعهد في غاية الشدة على النفس ، قال مشيراً إلى ذلك مع شموله لغيره : ( والذين صبروا ) أي على طاعات الله وعن معاصيه وفي كل ما ينبغي الصبر فيه ، والصبر : الحبس ، وهو تجرع مرارة المنع للنفس عما تحب مما لا يجوز فعله ) ابتغاء ) أي طلب ) وجه ربهم ) أي المحسن إليهم ، وكأنه ذكر الوجه إثارة للحياء وحثاً عليه لا ليقال : ما أجلده ولا لأنه يعاب بالجزع ، ولا لأنه لا طائل تحت الهلع ولا خوف الشماتة .
ولما كانت أفراد الشيء قد تتفاوت في الشرف ، خص بالذكر أشياء مما دخل في العهد والميثاق تشريفاً لها فقال : ( وأقاموا الصلاة ( لأنها في الوصلة بالله كالميثاق في الوصلة بالموثق له ، وقال - : ( وأنفقوا ( وخفف عنهم بالبعض فقال : ( مما رزقناهم ( - لأن الإنفاق من أعظم سبب يوصل إلى المقاصد ، فهذا إنفاق من المال ، وتلك إنفاق من