كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 148
طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ) 73
( ) 71
ولما ذكر ما للناجحين ، ذكر مآل الهالكين فقال : ( والذين ينقضون عهد الله ) أي الملك الأعلى فيعلمون بخلاف موجبه ؛ والنقض : التفريق الذي ينفي تأليف البناء .
ولما كان النقض ضاراً ولو كان في أيسر جزء ، أدخل الجار فقال : ( من بعد ميثاقه ) أي الذي أوثقه عليهم بما أعطاهم من العقول وأودعها من القوة على ترتيب المقدمات المنتجة للمقاصد الصالحة الدالة على صحة جميع ما أخبرت به رسله عليهم الصلاة والسلام والتحية والإكرام ؛ والميثاق : إحكام العقد بأبلغ ما يكون في مثله ) ويقطعون ما ) أي الشيء الذي ) أمر الله ) أي غير ناظرين إلى ما له من العظمة والجلال ، وعدل عن أن يوصله لما تقدم قريباً فقال : ( به أن يوصل ) أي لما له من المحاسن الجلية والخفية التي هي عين الصلاح ) ويفسدون ) أي يوقعون الإفساد ) في الأرض ) أي في أيِّ جزء كان منهم بوصل ما أمر الله به أن يقطع اتباعاً لأهوائهم ، معرضين عن أدلة عقولهم ، مستهينين بانتقام الكبي المتعال .
ولما كانوا كذلك ، استحقوا ضد ما تقدم للمتقين ، وذلك هو الطرد والعقاب والغضب والنكال وشؤم اللقاء ، فقال سبحانه وتعالى : ( أولئك ) أي البعداء البغضاء ) لهم اللعنة ) أي الطرد والبعد ) ولهم سوء الدار ) أي أن يكون دارهم الآخرة سيئة بلحاق ما يسوء فيها دون ما يسر .
ولما تقدم الحث العظيم علىالإنفاق ، وأشير إلى أنه من أوثقى الأسباب في الوصلة لجميع أوامر الله ، وختم بأن للكافر البعد والطرد عن كل المؤمن مع وصله واتصاله ، وما له لا يبسط له رزقه ليتمكن من إنفاذ ما أمر به إن كان ذلك حقاً ؟ فقيل : ( الله ) أي الذي له الكمال كله ) يبسط الرزق ( ودل على تمام قدرته سبحانه وتعالى بقوله - جلت قدرته - : ( لمن يشاء ( فيطيع في رزقه أو يعصي ) ويقدر ( على من يشاء فيجعل رزقه بقدر ضرورته فيصبر أو يجزع لِحكَم دقت عن الأفكار ، ثم جعل ما للكافر سبباً في خذلانه ، وفقر المؤمن موجباً لعلو شأنه ، فليس الغنى مما يمدح به ، ولا الفقر مما يذم به ، وإنما يمدح ويذم بالآثار .
ولما كانت السعة مظنة الفرح إلا عند من أخلصه الله وهم أقل من القليل ، قال عائباً لمن اطمأن إليها : ( وفرحوا ) أي فبسط لهؤلاء الرزق فبطروا وكفروا وفرحوا ) بالحياة الدنيا ) أي بكمالها ؛ والفرح : لذة في القلب بنيل المشتهى .
ولما كانت الدنيا متلاشية في جنب الدار التي ختم بها للمتقينن قال زيادة في الترغيب والترهيب : ( وما