كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 149
الحياة الدنيا في الآخرة ) أي في جنبها ) إلا متاع ) أي حقير متلاش ؛ قال الرماني : والمتاع : ما يقع به الانتفاع في العاجل ، وأصله : التمتع وهو التلذذ بالأمر الحاضر .
ولما كان العقل أعظم الأدلة ، وتقدم أنه مقصور على المتذكرين ، إشارة إلى أن من عداهم بقر سارحة ، وعرف أن ما دعا إليه الشرع هو الصلاح ، وضده هو الفساد ، وكان العقل إنما هو لمعرفة الصلاح فيتبع ، والفساد فيجتنب ، وكان الطالب لإنزال آية إلى غير ذلك لا سيما بعد آيات متكاثرة ودلالات ظاهرة موضعاً لأن يعجب منه ، قال على سبيل التعجب عطفاً على قوله ) وفرحوا ( مظهراً لما من شأنه الإضمار تنبيهاً على الوصف الذي أوجب لهم التعنت : ( ويقول الذين كفروا ) أي ستروا ما دعتهم إليه عقولهم من الخير وما لله من الآيات عناداً ) لولا ) أي هلا ولم لا .
ولما كان ما تحقق أنه من عند الملك لا يحتاج إلى السؤال عن الآتي به ، بني للمفعول قوله : ( أنزل عليه ) أي هذا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) آية ) أي علامة بينة ) من ربه ) أي المحسن إليه بالإجابة لما يسأله لنهتدي بها فنؤمن به ، وأمره بالجواب عن ذلك بقوله : ( قل ) أي لهؤلاء المعاندين : ما أشد عنادكم حيث قلتم هذا القول الذي تضمن إنكاركم لأن يكون نزل إلى آية مع أنه لم يؤت أحد من الآيات مثل ما أوتيت ، فعلم قطعاً أنه ليس إنزال الآيات سبباً للايمان بل أمره إلى الله ) إن الله ) أي الذين لا أمر لأحد معه ) يضل من يشاء ( إضلاله ممن لم ينب ، بل أعرض عن دلالة العقل ونقض ما أحكمه من ميثاق المقدمات المنتجة للقطع بحقية ما دعت إليه الرسل لما جبل عليه قلبه من الغلظة ، فصار بحيث لا يؤمن ولو نزلت عليه كل آية ، لأنها كلها متساوية الأقدام في الدعوة إلى ما دعا إليه العقل لمن له عقل ، وقد نزل قبل هذا آيات متكاثرة دالات أعظم دلالة على المراد ) ويهدي ( عند دعاء الداعين ) إليه ) أي طاعته .
بمجرد دليل العقل من غير طلب آية ) من أناب ) أي من كان قلبه ميالاً مع الأدلة رجاعاً إليها لأنه شاء إنابته كأبي بكر الصديق وغيره ممن تبعه من العشرة المشهود لهم بالجنة وغيرهم ، ثم أبدل منهم ) الذين آمنوا ) أي أوجدوا هذا الوصف ) وتطمئن قلوبهم ) أي تسكن وتستأنس إلى الدليل بعد الاضطراب بالشكوك لإيجادهم الطأنينة بعد صفة الإيمان إيجاداً مستمراً دالاً على ثبات إيمانهم لترك العناد ، وهذا المضارع في هذا التركيب مما لا يراد به حال ولا استقبال ، إنما يراد به الاستمرار على المعنى مع قطع النظر عن الأزمنة ) بذكر الله ( الذي هو أعظم الآيات في أن المذكور مستجمع لصفات الكمال ، فالآية من الاحتباك : ذكر المشيئة أولاً دال على حذفها ثانياً ، وذكر الإنابة ثانياً دال على حذف ضدها أولاً .
ولما كان ذلك موضع أن يقول المعاند : ومن يطمئن بذلك ؟ فقال : ( ألا بذكر