كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 151
الثاني يلي الأول بلا فصل ) الذي أوحينا إليك ( من ذكر الله الذي هو أعظم الآيات ) وهم ) أي والحال أنهم ) يكفرون ( لا تمل تلاوته عليهم في تلك الحال فإن لنا في هذا حكماً وإن خفيت ، وما ارسلناك ومن قبلك من الرسل إلا لتلاوة ما يوحى ، لا لطلب الإجابة إلى ما يقترح الأمم من الآيات ظناً أنها تكون سبباً لإيمان أحد ، نحن أعلم بهم ، وهذا كله تسلية لرسول الله صلىالله عليه وسلم ، وقوله : ( بالرحمن ( إشارة إلى كثرة حلمه وطول أناته ، وتصوير لتقبيح حالهم في مقابلتهم الإحسان بالإساءة والنعمة بالكفر بأوضح صورة وهم يدعون أنهم أشكرالناس للإحسان وأبعدهم من الكفران .
ولما تضمن كفرهم بالرحمن كفرهم بالقرآن ومن أنزل عليه ، وكان الكفر بالمنعم في غاية القباحة ، كان كأنه قيل : فماذا أفعل حينئذ أنا ومن اتبعني ؟ لا نتمنى إجابتهم إلى مقترحاتهم إلا رجاء إيمانهم ، وكان جوابهم عن الكفر بالموحى أهم ، بدأ به فقال : ( قل ( عند ذلك إيماناً به ) هو ) أي الرحمن الذي كفرتم به ) ربي ( المربي لي بالإيجاد وأدرار النعم ، والمحسن إليّ لا غيره ، لا أكفر إحسانه كما كفرتموه أنتم ، بل أقول : إنه ) ل إله إلا الله ( أنا في أن سبب كفرتم إنكار يوم الدين .
ولما فرغ من الجواب عن الكفر بالموحى ، عطف على ( هو ربي ) الجواب عن الكفر بالوحي فقال : ( ولو ( إشارة إلى أنه يعتقد في القرآن ما هو أهله بعد ما أخبر عن اعتقاده في الرحمن ، أي وقل : لو ) أن قرأناً ( كانت به الآيات المحسوسات بأن ) سيرت ) أي بأدنى إشارة من مشير ما ) به الجبال ) أي فأذهبت على ثقلها وصلابتها عن وجه الأرض ) أو قطعت ) أي كذلك ) به الأرض ) أي على كثافتها فشققت فتفجرت منها الأنهار ) أو كلم به الموتى ( فسمعت وأجابت لكان هذا القرآن ، لأنه آية لا مثل لها ، فكيف يطلبون آية غيره أو يقال : إن التقدير : لو كان شيء من ذلك بقرآن غيره لكان به - إقراراً لأعينكم - إجابة إلى ما تريدون ، لكنه لم تجر عادة لقرآن قبله بأن يكون به ذلك ، فلم يكن بهذا القرآن ، لأن الله لم يرد ذلك لحكمه علمها ، وليس لأحد غير الله أمر في خرق شيء من العادات ، لا لولي ولا لنبي ولا غيرهما حتى يفعل لأجلكم بشفاعة أو بغيرها شيئاً لم يرده الله في الأزل ) بل ( ويجوز أن يكون التقدير : لو وجد شيء من هذا بقرآن يوماً ما لكان بهذا القرآن ، فكان حينئذ يصير كل من حفظ منه

الصفحة 151