كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 152
شيئاً فعل ما شاء من ذلك ، فسير له ما شاء من الجبال إلى ما أراد من الأراضي لما رام من الأغراض ، وقطع به ما طلب من الأرض أنهاراً وجناناً وغيرها ، وكلم به من اشتهى من الموتى ، ثم إذا فتح هذا الباب فلا فرق بين القدرة على هذا والقدرة على غيره ، فيصير من حفظ منه شيئاً قادراً على شيء ، فبطلت حينئذ حكمة اختصاص الله سبحانه بذلك من أراد من خلص عباده ، وأدى ذلك إلى أن يدعي من أراد من الفجرة أن أمر ذلك بيده ، يفعل فيه ما يشاء متى شاء ، فيصير ادعاءه مقروناً بالفعل شبهة في الشرك ، وليعلم قطعاً أنه ليس في يد أحد أمر ، بل ) الله ) أي الذي له صفات الكمال وحده ) الأمر ( وهو ما يصح أن يؤمر فيه وينهى ) جميعاً ( في ذلك وغيره ، لا لي ولا لأحد من الأنبياء الذين قلتم إني لست أدنى منزلة منهم ، وأما الخوارق التي كانت لهم فلولا أن شاءها لما كانت ، فالأمر إليه وحده ، مهما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وكأن هذا جواب لما حكي في السيرة النبوية أن الكفار تفتنوا به ؛ قال ابن إسحاق : ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكة في قبائل قريش في الرجال والنساء ، فاجتمع أشرافهم فأرسلوا إليه ( صلى الله عليه وسلم ) فكلموه في الكف عنهم وعرضوا عليه أن يملكوه عليهم وغير ذلك فأبى وقال : ( ) إن الله بعثني إليكم رسولاً ، وأنزل عليّ كتاباً ، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً ، ( فقالوا : فإنك قد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلداً ولا أقل ماء ولا أشد عيشاً منا ، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ، وليبسط لنا بلادنان وليخرق فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق - زاد البغوي : فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود حيث سخر له الجبال تسبح معه ، أو سخر لنا الريح فنركبها إلى الشام لميرتنا ، ونرجع في يومنا فقد سخرت الريح لسليمان كما زعمت - رجع إلى ابن إسحاق : وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي ن كلاب ، فإنه كان شيخ صدق ، فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا به منزلتك من الله ، وأنه بعثك إلينا رسولاً كما تقدم - زاد البغوي : فإن عيسى كان يحيي الموتى ، ولست بأهون على ربك منه ) فكان

الصفحة 152