كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 153
سؤالهم هذا متضمناً لا دعائهم أن دعواه إنزال القرآن لا تصح إلا أن فعل هذه الاشياء .
ولما كان هذا كله إقناطاً من حصول الإيمان لأحد بما يقترح ، تسبب عنه الإنكار على من لم يفد فيه ذلك فقال تعالى : ( أفلم ( بفاء السبب ) ييئس الذين آمنوا ( من إيمان مقترحي الآيات بما يقترحون لعلمهم ) أن ) أي بأنه ) لهدى الناس ( وبين أن اللام للاستغراق بقوله : ( جميعاً ) أي بأيسر مشيئة ، والعلم بالشيء يوجب اليأس من خلافه ، لكنه لم يهدهم جميعاً فلم يشأ ذلك ، ولا يكون إلا ما شاءه ، فلا يزال فريق منهم كافراً ، فقد وضح أن ) ييئس ( على بابها ، وكذا في البيت الذي استشهدوا به على أنها بمعنى ( علم ) يمكن أن يكون معناه : ألم تيأسوا عن أذاي أو عن قتلي علماً منكم بأني ابن فارس زهدم ، فلا يضيع لي ثأر ، وكذا قراءة علي ومن معه من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين - أفلم - يتبين الذين آمنوا - أي أن أهل الضلال لا يؤمنون لآية من الآيات علماً منهم بأن الأمر لله جميعاً ، وأن إيمانهم ليس موقوفاً على غير مشيئته .
ولما علم من ذلم أن بعضهم لا يؤمن ، ضاقت صدور المؤمنين لذلك لما يعاينونه من أذى الكفار فأتبعه ما يسليهم عاطفاً على ما قدرته من نتيجة عدم المشيئة ، فقال : ( ولا يزال الذين كفروا ) أي ستروا ضياء عقولهم ) تصيبهم بما صنعوا ) أي مما مرنوا عليه من الشر حتى صار لهم طبعاً ) أو تحل ) أي تنزل نزولاً ثانياً تلك القارعة ) قريباً من دارهم ) أي فتوهن أمرهم ) حتى يأتي وعد الله ) أي الملك الأعظم بفتح مكة أو بالنصر على جميع الكفرة في زمن عيسى عليه السلام فينقطع ذلك ، لأنه لا يُبقي على الأرض كافراً ، وفي غير ذلك من الأزمان كزمن فتح مكة المشرفة ، فيكون المعنى خاصاً بالبعض ) إن الله ) أي الذي له مجامع الكمال ) لا يخلف الميعاد ) أي الوعد ولا زمانه ولا مكانه ؛ والوعد : عقد الخبر بتضمن النفع ، والوعيد : عقده بالزجر والضر ، والإخلاف : نقض ما تضمن الخبر من خير أو شر .