كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 155
عرف ما هم عليه من سخافة العقول وركاكة الآراء ، ثم قل لهم : أرجعتم عن ذلك إلى الإقرار بأنهم من جملة عبيده ) أم تنبئونه ) أي تخبرونه إخباراً عظيماً ) بما لا يعلم ( وعلمه محيط بكل شيء ) في الأرض ( من كونها آلهة ببرهان قاطع .
) أم بظاهر من القول ) أي بحجة إقناعية تقال بالفم ، وكل ما لا يعلمه فليس بشيء ، وهذا قريب مما مضى في قوله
77 ( ) أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه ( ) 7
[ الرعد : 16 ] في أنه لو كان كذلك كان شبهه فيها ظهور ما ، وهذه الأساليب منادية على الخلق بالعجز ، وصادحة بأنه ليس من كلام الخلق .
ولما كان التقدير : ليس على شيء من ذلك برهان قاطع ولا قول ظاهر ، بنى عليه قوله : ( بل زين ) أي وقع التزيين بأمر منلا يرد أمره على يد من كان ) للذين كفروا ) أي لهم ، وعبر بذلك تنبيهاً على الوصف الذي دلاهم إلى اعتقاد الباطل ، وهو ستر ما أدى إليه برهام العقل المؤيد بدليل النقل ) مكرهم ) أي أمرهم الذي أرادوا به ما يراد بالمكر من إظهار شيء وإبطان غيره ، وذلك أنهم أظهروا أن شركاءهم آلهة حقاً ، وهم يعلمون بطلان ذلك ، وليس بهم في الباطن إلا تقليد الآباء ، وأظهروا أنهم يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى ولتشفع لهم ، أو أنهم غيروا في وجه الحق بما ختلوا به الضعفاء وتمادى بهم الحال حتى اعتقدوه حقاً .
ومادة مكر بأي ترتيب كان : مكر ، ركم ، رمك ، كرم ، كمر ؛ تدور على التغطية والستر ، فالمكر : الخديعة ، قالوا : وهو الاحتيال بما لايظهرن فإذا ظهر فذلك الكيد ، ويلزم منه الاجتهاد في ضم أشتات الأمر لستر ما يراد ، فمن الضم المكرالذي هو حسن خدالة الساق أي امتلائها ، ويلزم منه خصب البدن ونعمته ، وكان منه المكر - لضرب من النبات ، والواحدة مكرة ، سميت مكرة لارتوائها ، أبو حنيفة : المكر من عشب القيظ ، وهي عشبة غبراء ليس فيها ورق ، وهو ينبت في السهل والرمل - كأنه شبه بالساق لخلوه من الورق أو لأنهة لغبرته وتجرده كالمستور ، والمكر : طين أحمر يشبه بالمغرة - كأنه سمي بذلك لما فيه من الكدارة ، والمكرة من البسر : التي ليست برطبة ولكن فيها لبن - كأنها سميت به لكون لونها حينئذ يأخذ في الكدارة ؛ والركم : إلقاء الشيء بعضه على بعض فهو مركوم وركام ، وتراكم الشيء - إذا تكاثف بعضه على بعض ، وذلك مظنة الخفاء ، والركمة : الطين المجموع وكذا التراب المجموع ، وقال : وجُز عن مرتَكم الطريق - يريد المحجة ، لأن ترابها تلبد فاشتد تلبده ، والرمك والرمكة - بالضم - من ألوان الإبل وهو أكدر من الروقة وهو لون خالطت غبرته سواداً ، فهو أرمك - لأنه مظنة

الصفحة 155