كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 16
جواب الشرط : ( إنا إذاً ) أي إذا كان هذا ) لخاسرون ) أي كاملون في الخسارة لأنا إذا ضيعنا أخانا فنحن لما سواه من أموالنا أشد تضييعاً ، وأعرضوا عن جواب الأول لأنه لا يكون إلا بما يوغر صدره ويعرف منه أنهم من تقديمه في الحب على غاية من الحسد لا توصف ، وأقله أن يقولوا : ما وجه الشح بفراقه يوماً والسماح بفراقنا كل يوم ، وذلك مما يحول بينهم وبين المراد ، فكأنه قيل : إن هذا الكيد عظيم وخطب جسيم ، فما فعل أبوهم ؟ فقيل : أجابهم إلى سؤلهم فأرسله معهم ) فلما ذهبوا ( ملصقين ذهابهم ) به وأجمعوا ) أي كلهم ، وأجمع كل واحد منهم بأن عزم عزماً صادقاً ؛ والإجماع على الفعل : العزم عليه بإجتماع الدواعي كلها ) أن يجعلوه ( والجعل : إيجاد ما به يصير الشيء على خلاف ما كان عليه ، ونظيره التصيير والعمل ) في غيبات الجب ( فعلوا ذلك من غير مانع ، ولكن لما كان هذا الجواب في غاية الوضوح لدلالة الحال عليه ترك لأنهم إذا أجمعوا عليه علم أنهم لا مانع لهم منه ؛ ثم عطف على هذا الجواب المحذوف لكونه في قوة الملفوظ قوله : ( وأوحينا ) أي بما لنا من العظمة ) إليه ) أي إلى يوسف عليه الصلاة والسلام .
ولما كان في حال النجاة منها بعيدة جداً ، أكد له قوله : ( لتنبئنهم ) أي لتخبرنهم إخباراً عظيماً على وجه يقل وجود مثله في الجلالة ) بأمرهم هذا ) أي الذي فعلوه بك ) وهم لا يشعرون ( - لعلو شأنك وكبر سلطانك وبعد حالك عن أوهامهم ، ولطول العهد المبدل للهيئات المغير للصور والأشكال - أنك يوسف - قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والحسن وابن جريج على ما نقله الرماني ؛ والشعور : إدراك الشيء مثل الشعرة في الدقة ، ومنه المشاعر في البدن ، وكان يوسف عليه الصلاة والسلام حين ألقوه في الجب ابن اثنتي عشرة سنة - قاله الحسن ، قالوا : وتصديق هذا أنهم لما دخلوا عليه ممتارين دعا بالصواع فرضعه على يديه ثم نقره فطن ، فقال : إنه ليخبروني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف ، وكان أبوكم يدنيه دونكم ، وأنكم انطلقتم به وألقيتموه في غيابة الجب وقلتم لأبيكم : أكله الذئب .
يوسف : ( 16 - 18 ) وجاؤوا أباهم عشاء. .. . .
) وَجَآءُوا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ قَالُواْ يَأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ وَجَآءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ( ( )
ولما كان من المعلوم أنه ليس بعد هذا الفعل إلا الاعتذار ، عطف على الجواب

الصفحة 16