كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 25
نفسه فغلب أمره سبحانه فعصمه حتى لم يهم بسوء ، بل هرب منه غاية الهرب ، ثم بذلت جهدها في إدلاله وإلقاء التهمة عليه فأبى الله إلا إعزازه وبراءته ، ثم أراد يوسف عليه الصلاة والسلام ذكر الساقي لع فغلب أمره سبحانه فأنساه ذكره حتى مضى الأجل الذي ضربه سبحانه ، وكم من أمر كان في هذه القصة وفي غيرها يرشد إلى أن لا أمر لغيره سبحانه ) ولكن أكثر الناس ) أي الذين هم أهل الاضظراب ) لا يعلمون ( لعدم التأمل أنه تعالى عالٍ على كل أمر ، وأن الحكم له وحده ، لاشتغالهم بالنظر في الظواهر للأسباب التي يقيمها ، فهو سبحانه متحجب عنهم بحجاب الأسباب .
ذكر ما مضى من قصة يوسف عليه الصلاة والسلام من التوراة : قال في أواخر السفر الثاني منها : كان يوسف بن يعقوب ابن سبع عشرة سنه ، وكان يرعى الغنم مع إخوته ، وكان أسرائيل يحب يوسف أكثر من حبه إخوته ، لأنه ولد على كبر سنه ، فاتخذ له قميصاً ذا كمين ، فرأى إخوته أن والدهم أشد حباً له منهم ، فأبغضوه ولم يستطيعوا أن يكلموه بالسلام ، فرأى رؤيا قصها على إخوته فقال لهم : اسمعوا هذه الرؤيا التي رأيت ، رأيت كأنا نحزم حزماً من الزرع في الزراعة ، فإذا حزمتي قد انتصبت وقامت ، وإذا حزمكم قد أحاطت بها تسجد لها ، قال له إخوته : أترى تملكنا وتتسلط علينا ؟ وازدادوا له بغضاً لرؤياه وكلامه ، فرأى رؤيا أخرى فقال : إني رأيت رؤيا أخرى ، رأيت كأن الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً يسجدون لي ، فقصها على أبيه وإخوته ، فزجره أبوه وقال له : ما هذه الرؤيا ؟ هل آتيك أنا وأمك وإخوتك فنسجد لك على الأرض ؟ فحسده إخوته ، وكان أبوه يحفظ هذه الأقاويل .
وانطلق إخوة يوسف يرعون غنمهم في نابلس فقال إسرائيل ليوسف : هو ذا إخوتك يرعون في نابلس ، هلم أرسلك إليهم فقال : هأنذا فقال أبوه : انطلق فانظر كيف إخوتك وكيف الغنم ؟ وائتني بالخبر ، فأرسله يعقوب عليه الصلاة والسلام من قاع حبرون ، فأتى إلى نابلس ، فوحده رجل وهو يطوف في الحقل فسأله الرجل وقال : ما الذي تطلب في الحقل ؟ فقال أطلب إخوتي ، دلنيى عليهم أين يرعون ؟ قال له الرجل : قد ارتحلوا من هاهنا ، وسمعتهم يقولون : ننطلق إلى دوثان ، فتبع يوسف إخوته فوجدهم بدوثان / فرأوه من بعيد ، ومن قبل أن يقترب إليهم هموا بقتلهن فقال بعضهم لبعض : هو ذا حالم الأحلام قد جاء ، تعالوا نقتله ونطرحه في بعض الجباب ، ونقول : قد افترسه سبع خبيث ، فننظر ما يكون من أحلامه فسمع روبيل فأنقذه من أيديهم وقال لهم : لا تقتلوا نفساً ، ولا تسفكوا دماً ، بل ألقوه في هذا الجب الذي في البرية ، ولا تمدوا أيديكم إليه ، وأراد أن ينجيه من أيديهم ويرده إلى أبيه .

الصفحة 25