كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 34
كان مظنة لميله لتوف رالدواعي على الميل إليه ، فقال تعالى ) وقال نسوة ) أي جماعة من النساء لما شاع الحديث ، ولما كانت البلدة كلما عظمت كان أهلها أعقل وأقرب إلى الحكمة ، قال : ( في المدينآ ) أي التي فيها امرأة العزيز ساكنة ) امرأت العزيز ( فأضفتها إلى زوجها إرادة الإشاعة للخبر ، لأن النفس إلى سماع أخبار أولي الأخطار أميل ، والعزيز : المنيع بقدرته من أن يضام ، فالعزة أخص من مطلق القدرة ، وعبرن بالمضارع في ) تراود فتاها ) أي عبدها نازلة من افتراش العزيز إلأى افتراشه ) عن نفسه ( إفهاما لأن الإصرار على المراودة صار لها كالسجية ، والفتى : الشاب ، وقيده الرماني بالقوي ، قال : وقال الزجاج : وكانوا يسمون المملوك فتى شيخا كان أو شابا ففيه اشتراك على هذا ) قد شغفها ( ذلك الفتى ) حبا ) أي من جهة الحب ، قال الرماني : شغاف القلب غلافه ، وهو جلدة عليه ، يقال : دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب ، عن السدى وأبي عبيدة وعن الحسن أنه باطن القلب ، وعن أبي علي : وسط القلب - انتهى. والذي قال في المجمل وغيره أنه غلاف القلب ، وأحسن من توجيه أبي عبيدة له أن حبه صار شغافا لها ، أي حجابا ، أ ] ظرفا محيطا بها ، وأما شغفها - بالمهملة فمعناه : غشى شغفه قلبها ، وهي رأسه عند معلق النياط ، وقال الرماني : أي ذهب بها كل مذهب ، من شغف الجبال ، وهي رؤوسها .
ولما قيلف ذلك ، كان كأنه قد قيل : فكان ماذا ؟ فقيل - وأكد لأن من رآه عذرها وقطع بأنهن لو كن يفي محلها عملن عملها ولم يظللن فعلها : ( إنا لنراها ) أي نعلم أمرها علما هو كالرؤية ) في ظلال ) أي محيط بها ) مبين ( لرضاها لنفسها بعد عز السيادة بالسفول عن رتبة العبد ، ودل بالفاء على أن كلامهن نقل إليها بسرعة فقال ) فلما سمعت ) أي امرأة العزيز ) بمكرهن ( وكأنهن أردن بهذا الكلام أن يتأثر عنه ما فعلت امرأة العزيز ليرنيه ، فلذلك سماه مكرا ) أرسلت إليهن ( لتريهن ما يعذرنها بسببه فتسكن قالتهن ) واعتدت ) أي هيأت وأحضرت ) لهن متكئا ( اي ما يتكئن عليه من الفرش اللينة والوسائد الفاخرة ، فأتينها فأجلستهن على ما أعدته لهن ) وأتت كل واحدة ( على العموم ) منهن سكينا ( ليقطعن بها ما يحتاج إلأى القطع مما يحضر من الأطعمة يفي هذا المجلس ، قال أبو حيان : فقيل : كان لحما ، وكانوا لا ينهشون اللحم ، إنما كانوا يأكلونه حزا بالسكاكين ، وقال الرماني : ليقطعن فاكهة قدمت إليهن. انتهى ، هذا اغلظاهر من علة إتيانهن وباطنة إقامة الحجة عليهن بما لا يجدن له مدفعا مما يتأثر عن ذلك ) وقالت ( ليوسف فتاها عليه الصلاة والسلام ) اخرج عليهن ( فامتثل له ما أمرته به كما هو دأبه معها في كل ما لا معصية فيه ، وبادر الخروج عليهن ) فلما رأينه (