كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 38
) معه السجن فتيان ( : خباز الملك وساقيه ، ورفع إليه أن الخباز أراد أن يسمه ، وظن أن الساقي مالأه على ذلك ، و ( مع ) تدل على الصحبة واستحداثها ، فهي تدل على دخول الثلاثة السجن في آن واحد - قاله أبو حيانز فلما دخلوا السجن كان يوسف عليه الصلاة والسلام يحسن إلى أهله فيسلي حزينهم ، ويعود مريضهم ، ويسأل لفقيرهم ، ويهديهم إلى الخير ، ويذكرهم بالله ، فمالت إليه القلوب وكلفت به النفوس لحسن حديثه ولطيف تأتيه وما جباه الله به من الفضل والنبل وحسن الخَلق والخُلق ، وكان في السجن ناس قد انقطع رجاءهم واشتد بلاءهم ، فلم يزل يرفق بهم حتى قالوا : بارك الله فيك ما أحسن وجهك وأحسن خلقك وأحسن حديثك لقد بورك لنا في جوارك ، ما نحب أنا كنا في غير هذا لما تخبرنا به من الأجر والكفارة والثواب والطهارة ، من أنت يا فتى ؟ فأخبرهم بنسبه الشريفن فقال عامل السجن : لو استطعت لخليت سبيلك ولكن سأحسن جوارك وإيثارك ، وأحبه الفتيان ولزماه فقال : أنشد كما الله أن تحباني ، فوالله ما أحبني أحد قط إلاّ دخل على من جهته بلاء لقد أحبتني عمتي فدخل عليّ من جهتها بلاء ، ثم أحبني أبي فدخل عليّ من جهته بلاء ، ثم أحبتني زوجة صاحبي هذا فدخل عليّ من جهتها بلاء ، فلا تحباني ، فأبيا إلاّ حبه ، فكأنه قيل : أيّ شيء اتفقى لهما بعد الدخول معه ؟ فقيل : ( قال أحدهمآ ( ليوسف عليه الصلاة والسلام ، ولعل التأكيد إما لأنه كانت عادتهما المزح ، وإما لأنهما ما رأيا شيئاً - كما قال الشعبي - وإنما صنفا هذا ليختبراه به ) إني أراني ( حكى الحال الماضية في المنام ) أعصر ( والعصر : الاعتماد على ما فيه مائية ليحتلب منه ) خمراً ) أي عنباً يؤل إلى الخمر ) وقال الآخر ( مؤكداً لمثل ما مضى ) إني أراني أحمل ( والحمل : رفع الشيء بعماد نقله ) فوق رأسي خبزاً ) أي طعاماً مهيأ للأكل بالخبز ، وهو عمل الدقيق المعجون بالبسط واللرزق في حام بالنار حتى يصلح للأكل ) تأكل الطير منه ( وسيأتي شرح الرؤيا من التوراة ، فكأنه قيل : فماذا تريدان من الإخبار بهذا ؟ فقالا : ( نبئنا ) أي أخبرنا إخباراً عظيماً ) بتأويله ) أي ما يرجع أمره ويصير إليه ، فكأنه قيل : وما يدريكما أني أعرف تأويله ؟ فقالا : ( إنا نراك ( على حالٍ علمنا بها علماً هو كالرؤية أنك ) من المحسنين ) أي العريقين في وصف الإحسان لكل أمرتعانيهن فلذلك لاح لنا أنك تحسن التأويل قياساً ، فلما رآهما بصيرين بالأمور ) قال ( إشارة إلى أنه يعرف ذلك وأدق منه ، ليقبلا نصحه فيما هو أهم المهم لكل أحد ، - وهو ما خلق العباد له من الاجتماع على الله - لتفريغهما للفهم لكلامه والقبول لكل ما يلقيه لاحتياجهما إلى إفتائهما ، مؤكداً ما وصفاه به من الإحسان بما اتبعه من وصف نفسه بالعلم ، انتهازاً لفرصة النصيحة عند هذا الإذغان بأعظم ما يكون النصح به