كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 40
الإنسان - قاله الرماني .
وفي القاموس إن المليلة : الحر الكامن في العظم .
وعبر ب ) تركت ( موضع ( تجنبت ) مثلاً مع كونه لم يلابس تلك الملة قط ، تأنيساً لهما واستدراجاً إلى تركهما ؛ ثم اتبع ذلك بما يدل على شرف اصله وقدم فضله بأنه من بيت النبوة ومعدن الفتوة ، ليكون ذلك أدعى إلى قبول كلامه وإصابة سهامه وإفضاء مرامه ، فقال : ( واتنبعت ) أي بغاية جهدي ورغبتي ) ملة آباءي إبراهيم ( خليل الله ، وهو جد أبيه ) وإسحاق ( ابنه نبي الله وهو جده ) ويعقوب ( أبيه إسرائيل : الله .
وهو أبوه حقيقة ، وتلك هي الحنفية السمحة التي هي الميل مع الدليل من غير جمود مع هوى بوجه من الوجوه ؛ روى البخاري في التفسير وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أيّ الناس أكرم ؟ قال : ( سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : أي الناس أكرم ؟ قال : ( أكرمهم عند الله أتقاهم ، ) قالوا : ليس عن هذا نسالك .
قال : ( فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله : ابن خليل الله ، ) قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : ( نعن معادن العرب تسألوني ؟ ) قالوا : نعم ، قال : ( فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ) .
( فكأنه قيل : ما تلك الملة ؟ فقال : ( ما كان لنا ) أي ما صح وما استقام بوجه من الوجوه ، لما عندنا من نور العلم الذي لم يدع عندنا لبساً بوجه أصلاً ) أن نشرك ) أي نجدد في وقت ما شيئاً من إشراك ) بالله ) أي الذي له الأمر كله ، وأعرق في النفي فقال : ( من شيء ) أي بما شرعه لنا من الدين القويم كانت ملتنا التوحيد ، ومن التأكيد العموم في سياق النفي ، ليعم ذلك كل شيء من عاقل ملك أو إنسي أو جنى أو غيره ؛ ثم علل ذلك بما يعرف بع أنه كما وجب عليهم ذلك وجب على كل أحد فقال : ( ذلك ) أي كان هذا الانتفاء أو ذلك التشريع - للملة الحنيفية وتسهيلها وجعل الفطر الأولى منقادة لها مقبلة عليها - العلي الشأن العظيم المقدار ) من ( أجل ) فضل الله ) أي المحيط بالجلال والإكرام ) علينا ( خاصة ) وعلى الناس ( الذين هم إخواننا في النسب عامة ، فنحن وبعض الناس شكرنا الله ، فقلبنا ما تفضل به علينا ، فلم نشرك به شيئاً ؛ والفضل : النفع الزائد على مقدار الواجب ، فكل عطاء الله فضل ، فإنه لا واجب عليه ، فكان لذلك واجباً على كل أحد إخلاص التوحيد له شكراً على فضله لما تظافر عليه دليلاً العقل والنقل من أن شكر المنعم واجب ) ولكن أكثر الناس ) أي لما لهم من الاضطراب مع الهوى عموا عن هذا الواجب ، فهم ) لا يشكرون ( فضله بإخلاص العمل له ويشركون به إكراهاً لفطرهم

الصفحة 40