كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 42
وبين حقارة معبوداتهم وسفولها بقوله : ( من دونه ) أي الله الذي قام برهان التمانع - الذي هو البرهان الأعظم - على إلهية وعلى اختصاصه بذلك ) إلا أسماء ( وبين ما يريد وأوضحه بقوله : ( سميتموها ) أي ذوات أوجدتم لها أسماء ) أنتم وآباؤكم ( لا معاني لها ، لأنه لا أرواح لها فضلاً عن أن تتحقق معنى ما سميتموها به من الإلهية ، وإن كان لها أرواح فهي منتف عنها خاصة الإلهية ، وهي الكمال المطلق الذي يستلزم إحاطة العلم والقدرة .
ولما كان مقصود السورة وصف الكتاب بالإبانة للهدى ، وكان نفي الإنزال كافياً في الإبانة ، لأن عبادة الأصنام باطلة ، ولم يكن في السياق كالأعراف مجادلة توجب مماحكة ومماطلة ومعالجة ومطاولة ، قال نافياً للإنزال بأي وصف كان : ( ما أنزل الله ) أي المحيط علماً وقدرة .
فلا أمر لأحد معه ) بها ( وأعرق في النفي فقال : ( من سلطان ) أي برهان تتسلط به علىتعظيمهما ، فانتفى تعظيمها لذاتها أو لغيرها ، وصار حاصل الدليل : لوكانوا أحياء يحكمون لم يصلحوا للإلهية ، لإمكان تمانعهم المؤدي إلى إمكان عجز كل منهم الملزوم لأنهم لأ صلاحية فيهم للإلهية ، لكنهم ليسوا أحياء ، فهم أجدر بعدم الصلاحية ، فعلم قطعاً أنه لا حكم لمقهور ، وأن كل من يمكن أن يكون له ثان مقهور ؛ فأنتج هذا قطعاً أن الحكم إنما هو لله الواحد القهار ، وهو لم يحكم بتعظيمها ؛ وذلك معنى قوله : ( إن ) أي ما ) الحكم إلاّ لله ) أي المختص بصفات الكمال ؛ والحكم : فصل الأمر بما تدعو إليه الحكمة .
ولما انتفى الحكم عن غيره ، وكان ذلك كافياً في وجوب توحيده ، رغبة فيما عنده ، ورهبة مما بيده ، أتبعه تأكيداً لذلك وإلزاماً به أنه حكم به ، فقال : ( أمر ألا تعبدوا ) أي أيها الخلق في وقت من الأوقات على حال من الأحوال ) إلا إياه ) أي هو النافذ لأمرالمطاع الحكم .
ولما قام هذا الدليل علىهذا الوجه البين ، كان جديراً بالإشارة إلى فضله ، فأشار إليه بأداة البعد ، تنبيهاً على علو مقامه وعظيم شأنه فقال : ( ذلك ) أي الشأن الأعظم ، وهو توحيده وإفراده عن خلقه ) الدين القيم ) أي الذي لا عوج فيه فيأتيه الخلل من جهة عوجه ، الظاهر أمره لمن كان له قلب ) ولكن أكثر الناس ) أي لما لهم الاضطراب مع الحظوظ ) لا يعلمون ) أي ليس لهم علم ، لأنهم لا نتفعون بعقولهم ، فكأنهم في عداد البهائم العجم ، فلأجل ذلك هم لا يفردون الله بالعبادة .