كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 5
وذلك كفر لا شك فيه ، وقد أطنبت فيه في كتابي مصاعد النظر ، وبينت مذاهب العادين للآيات وأن مرجعها التوفيق مثل نقل القراءات سواء - والله الهادي .
ولما ابتدئت السورة الماضية بأن هذا الكتاب محكم ، وختمت بالحكمة المقصودة من قص أنباء الرسل ، وكان السياق للرد عليهم في تكذيبهم به في قوله
77 ( ) أم يقولون افتراه ( ) 7
[ سجدة : 3 ] ودل على أنه أنزل بعلمه ، ابتدئت هذه لإتمام تلك الدالة بالإشارة إلى ما له من علو المحل وبعد الرتبة ، فعقب سبحانه هذه المشكلة التي ألقاها بالأحرف المقطعة وبان أنها مع إِشكالها عند التأمل واضحة بقوله مشيراً إلى ما تقدم من القرآن وإلى هذه السورة : ( تلك ) أي الآيات العظيمة العالية ) آيات الكتاب ) أي الجامع لجميع المرادات .
ولما تقدم أول سورتي يونس وهود وصفة بالحكمة والإحكام والتفصيل ، وصف هنا بأخص من ذلك فقال تعالى : ( المبين ) أي البين في نفسه أنه جامع معجز لا يشتبه على العرب بوجه ، والموضح لجميع ما حوى ، وهو جميع المرادات لمن أمعن التدبر وأنعم التفكير ، ولأنه من عند لله
77 ( ) ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه ( ) 7
[ يوسف : 111 ] و
77 ( ) موعظه وذكرى للمؤمنين ( ) 7
[ هود : 120 ] ؛ والبيان : إظهار المعنى للنفس بما يفصله عن غيره وهو غرض كل حكيم في كلامه ، ويزيد عليه البرهان بأنه إظهار صحة المعنى بما يشهد به ، وأبان - لازم متعد ؛ ثم علل المبين بقوله معبراً بالإنزال لأنه في سياق تكذيبهم به بخلاف ما عبر فيه بالجعل كما يأتي في الزخرف : ( إنا أنزلناه ( بنون العظمة أي الكتاب المفسر بهذه السورة أو بالقرآن كله ) قرءنا ( سمي بعضه بذلك لأن القرآن اسم جنس يقع على الكل والبعض ) عربياً ( وعلل إنزاله كذلك بقوله : ( لعلكم تعقلون ) أي لتكونوا على رجاء من أن تكونوا من ذوي العقل أو من أن تعقلوا ما يراد منكم ؛ قال : أبو حيان و ( لعل ) ترّج فيه معنى التعليل .
وهذه الآية تدل على أن اللسان العربي أفصح الألسنة وأوسعها وأقوامها وأعدلها ، لأن من المقرر أن القول - وإن خص بخطابه قوم - يكون عاماً لمن سواهم .
ولما بين أنه يقص عليه من أنباء الرسل ما يثبت به فؤاده ، قال مثبتاً ومعللاً بأنه الكتاب بعلة أخرى مشاهدة هي أخص من الأول : ( نحن نقص عليك ( وعظم هذه القصة بمظهر العظمة وأكد ذلك بقوله تعالى : ( أحسن القصص ) أي الاقتصاص أو المقصوص بأن نتبع بعض الحديث كما نعلمه بعضاً فنبينه أحسن البيان - لأنه من