كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 511
غاية الرضى بها ، لما فيها من أنواع الملاذ التي لا حصر لها ولا انقضاء ، لايشتهي أحد منهم غير ما عنده سواء كان في الفردوس أو فيما دونه ، وهو تعويض بالكفرة في أنهم يصطرخون في النار
77 ( ) ربنا أخرجنا منها ( ) 7
[ المؤمنون : 107 ] وذلك عكس ما كان في الدنيا من ركون الكفار إليها ، ومحبتهم في طول البقاء فيها ، وعزوف المؤمنين عنها ، وشوقهم إلى ربهم بمفارقتها .
ولما تم الجواب عن أسئلتهم على أحسن الوجوه مخللاً بما تراه من الحجج البينة والنفائس الملزمة لهم بفصل النزاع ، وأتبع ذلك بقص الأمر الذي بإغفاله تجرؤوا على الكفر ، وهو أمر البعث إلى أن ختمه بمل يقتضي أن معلوماته لا تحد ، لأن مقدوراته في تنعيم أهل الجنة لا آخر لها فلا تعد ، وكان اليهود قد اعترضوا على قوله في أولها
77 ( ) وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ( ) 7
[ الإسراء : 85 ] بأنهم أوتوا التوراة ، وكان لكل ما سألوا عنه من الفصول الطويلة الذيول أمور تهول ، وكان ربما قال قائل : ما له لا يزيد ذلك شرحاً ؟ قال تعالى آمراً بالجواب عن ذلك كله ، معلماً لهم بأنهم لا يمكنهم الوقوف على تمام شرح شيء من معلوماته ، وآخر استفصال شيء من مقدوراته ، قطعاً لهم عن السؤال ، وتقريباً إلى أفهامهم بضرب من المثال : ( قل ) أي يا أشرف الخلق لهم : ( لو كان البحر ) أي ماؤه على عظمته عندكم ) مداداً ( وهو اسم لما يمد به الدواة من الحبر ) لكلمات ) أي لكتب كلمات ) ربي ) أي المحسن إليّ في وصف ذكر وغيره مما تعنتموه في السؤال عما سألتم عنه أو غير ذلك ) لنفد ) أي فني مع الضعف فناء لا تدارك له ) البحر ( لأنه جسم متناه .
ولما كانت المخلوقات - لكونها ممكنة - ليس لها من ذاتها إلا العدم ، وكانت الكلمات من صفات الله ، وصفات اله واجبة الوجود ، فكان نفادها محالاً ، فكان نفاد الممكن من البحر وما يمده بالنسبة إليها مستغرقاً للأزمنة كلها ، جرد الظرف من حرف الجر فقال : ( قبل أن تنفد ) أي تفنى وتفرغ ) كلمات ربي ( لأنها لا تتناهى لأن معلوماته ومقدوراته لا تتناهى ، وكل منها له شرح طويل ، وخطب جليل ؛ ولما لم يكن أحد غيره يقدر على إمداد البحر قال : ( ولو جئنا ) أي بما لنا من العظمة التي لا تكون لغيرنا ) بمثله مدداً ) أي له يكتب منه لنفد أيضاً ، هذا كله كناية عن عدم النفاد ، لأنه تعليق على محال عادة كقولهم : لا تزال على كذا ما بل بحر صوفه وما دجى الليل ، ونحو هذا ، ولعله عبر بجمع السلامة إشارة إلى أن قليلها بهذه الكثرة فكيف بما هو أكثر منه ، وذلك أمر لا يدخل تحت وصف ، وعبر بالقبل دون أن يقال ( ولم تنفد ) ونحوه ، لأن ذلك كاف في قطعهم عن الاستقصاء في السؤال ولأن التعبير بمثل ذلك ربما فتح باباً من

الصفحة 511