كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 512
التعنت وهو أن يجعلوا الواو للحال فيجعلوا النفاد مقيداً بذلك ، وأما سورة لقمان فاقتضى سياقها في تأسيس ما فيها على
77 ( ) الغني الحميد ( ) 7
[ لقمان : 26 ] ومقصودها يكون التعبير فيها بغير ما ههنا ، فما في كل سورة أبلغ بالنسبة إلى سياقه ، مع أنه ليس في إفصاح واحدة منهما ما يدل على نفاد الكلمات ولا عدمه ، وفي إفهام كل منهما بتدبر القرائن في السياق وغيره ما يقطع بعدم نفاذها ، ولاتخالف بين الآيتين وإن كان التعبير في هذه السورة أدخل في التشابه ، ويجاب عنه بما قالوا في مثل قول الشاعر ( على لاحب لا يهتدي بمناره ) من أن ما في حيز السلب لا يقتضي الوجود ، ولعل التعبير بمثل ذلك من الفتن المميزة بين من في قلبه مرض وبين الراسخ الذي يرد المتشابه إلى المحكم ، وهو ما دل عليه البرهان القاطع من أن الله تعالى لا نهاية لذاته ، ولا لشيء من صفاته ، بل هو الأول والآخر الباقي بلا زوال - والله أعلم .
ولما كانوا ربما قالوا : ما لك لا تحدثنا من هذه الكلمات بكل ما نسألك عنه حيثما سألناك ؟ وكانوا قد استنكروا كون النبي بشراً ، وجوزوا كون الإله حجراً ، وغيوا إيمانهم به بأمور سألوه في الإتيان بها كما تقدم بعد أول مسائلهم ، وهي الروح آخر سبحان ، وكان قد ثبت بإجابتهم عن المسائل على هذا الوجه أنه رسول ، أمره سبحانه أن يجيبهم عن ذلك بما يرد عليهم غلطهم ، ويفضح شبههم ، إرشاداً لهم إلى أهم ما يعينهم من الحرف الذي النزاع كله دائر عليه وهو التوحيد فقال : ( قل إنما أنا ) أي في الاستمداد بالقدرة على إيجاد المعدوم والإخبار بالمغيب ) بشر مثلكم ) أي لا أمر لي ولا قدرة إلا على ما يقدرني عليه ربي ، ولا استبعاد لرسالتي من الله فإن ذلك سنته فيمن قبلي ) يوحى إليّ ) أي من الله الذي خصني بالرسالة كما أوحى إلى الرسل قبلي ما لا غنى لأحد عن علمه واعتقاده ) أنما إلهكم ( وأشار إلى أن إلهيته بالإطلاق لا بالنظر إلى جعل جاعل ولا غير ذلك فقال : ( إله واحد ) أي لاينقسم بمجانسة ولا غيرها ، قادر على ما يريد ، لا منازع له ، لم يؤخر جواب ما سألتموني عنه من عجز ولا جهل ولاهوان بي عليه - هذا هو الذي يعني كلَ أحد علمه ، وأما ما سألتم عنه من أمر الروح والقصتين تعنتاً فأمر لو جهلتموه ما ضركم جهله ، وإن اتبعتموني علمتموه الآن وما دل عليه من أمر الساعة إيماناً بالغيب علم اليقين ، وعلمتموه بعد الموت بالمشاهدة عين اليقين ، وبالمباشرة حق اليقين ، وإن لم تتبعوني لم ينفعكم علمه ) فمن ) أي فتسبب عن وحدته المستلزمة لقدرته أنه من ) كان يرجوا ) أي يؤمن بمجازاته له على أعماله في