كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 514
( سورة مريم )
بسم الله الرحمن الرحيم سورة مريم مكية - آياتها ثمان وتسعون
مقصودها بيان اتصافه سبحانه بشمول الرحمة بإفاضة النعم علىجميع خلقه ، المستلزم للدلالة على اتصافه لجميع صفات الكمال ، المستلزم لشمول القدرة على إبداع المستغرب ، المستلزم لتمام القدرة الموجب للقدرة على البعث والتنزه عن الولد لأنه لا يكون إلا لمحتاج ، ولا يكون إلا مثل الوالد ، ولا سمي له سبحانه فضلا عن مثيل ، وعلى هذا دلت تسميتها بمريم ، لأن قصتها أدل ما فيها على تمام القدرة وشمول العلم ، لأن أغرب ما في المخلوقات وأجمعه خلقا الآدمي ، وأعجب أقسام توليده الأربعة - بعد كونه آدميا - ما كان من أنثى بلا توسط ذكر ، لأن أضعف الأقسام ، وأغرب ذلك أن يتولد منها على ضعفها أقوى النوع وهو الذكر ، ولا سيما إن أوتي قوة الكلام والعلم والكتاب في حال الطفولية ، وأن يخبر بسلامته الكاملة فيكون الأمر كذلك ، لم يقدر أحد - مع كثرة الأعداء - على أن يسمه بشيء من أذى ، هذا إذا جمعته من إخراج الرطب في غير حينه من يابس الحطب ، ومن إنباع الماء في غير موضعه ، وعلى مثل ذلك أيضا دلت تسميتها بما في أولها من الحروف ، بيان ذلك أن مخرج الكاف من أقصى اللسان مما يلي الحلق ويحاذيه من أسفل الحنك ، وهي أدنى من مخرج القاف قليلا إلى مقدم الفم ر ، ولها من الصفات الهمس والشدة والانفتاح والاستفال والخفاء ، ومخرج الياء من وسط اللسان والحنك الأعلى ، ولها من الصفات الجهر والرخاوة والانفتاح والاستفال ، وه أغلب صفاتها ، ومخرج العين وسط الحلق ، ولها من صفات الجهر وبين أصول الثنيتين السفليين ، وله من الصفات الهمس والرخاوة والإطباق والاستعلاء والصفير ، فالافتتاح بهذه الأحرف هنا إشارة - والله أعلم - إلى أن أهل الله عامة - من ذكر منهم في هذه السورة وغيرهم - يكون

الصفحة 514