كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 517
ترتيب سنته سبحانه في المصطفين من عباده على هذا النحو البديع ، وترتيب هذه الحروف على هذا النظم الدال عليه دائر على القدرة التامة والعلم الشامل والحكمة الباهرة ، رحمهم سبحانه بأن نكبهم طريق الجبارين التي أوصلتهم إلى القسوة ، وجنبهم سنن المستكبرين التي تلجئ ولا بد إلأى الشقوة ، فجعل نصرهم في لوامع انكسار ، وكسرهم في جوامع انتصار ، وحماهم من فخامة دائمة تجر إلى بذح وعلو واستكبار ، ومن رقة ثابتة تحمل على ذل وسفول وصغار ، فلقد انطبق الاسمان على المسمى ، واتضحا غاية الاتضاح في أمره ونما ، وهذا معنى ما قال الكلبي : هو ثناء أثنى الله به على نفسه. ) بسم الله ( المنزه عن كل شائبة نقص ، القادر على كل ما يريد ) الرحمن ( الذي عم نواله سائر مخلوقاته ) الرحيم ( الذي اختص الصالحين من عباده ، بما يسعد من مراده .
ولما كان مقصود التي قبلها الدلالة على أنم القرآن قيم لا عوج فيه ، وبه تمام الانتظام في نعمة الإبقاء الأول ، ودل على ذلك بأنه ساق المؤول عنه من القصص أحسن سوق ، وكشف عن مخبأته القناع أبدع كشف - إلى غير ذلك مما خلله به من بدائع الحكم وغرائب المعاني فاضحة لمن ادعى الله سبحانه ولدا ، وختمها بمثل ذلك وصف الكتاب والتوحيد - النافي لقبول التعدد بولد أوغيره بكل اعتبار - والعمل الصالح ، ابتدأ هذه بالكشف عن أغرب من تلك القصص ، تحقيقا لآية ) أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) [ الكهف : 9 ] بسياق غير ما تقدم فيما مضى عن السور ، وجزئيات لم تذكر إلا فيها مع عدم المخالفة لما مضى ، تأييدا لأن كلماته لا تنفذ ، وعجائبه لا تعد ولا تحد ، وأنه لو كان من عند غيره لاختلف ، مع أن أهلها سادة الموحدين ، وقادة المصلحين المتقين الذين عملوا الصالحاتن ، ونفوا الشرك وشرعوا ذلك للناس ، فرحمهم ربهم سبحانه ، وكلهم ممن يعتقده اليهود الآمرون لقريش بالسؤال عن أصحاب الكهف وذي القرنين تعنتا ، أمت من عدا عيسى عليه الصلاة والسلام فواضح ، وأما عيسى عليه السلام فيعتقدون أنه ما اتى لأأنه سيأتي ، ويكون الناس في أيامه على دين واحد تصديقا لوعد التوارة الآتي بيانه ، وذلك على وجه مستلزم في أكثرها تنزهه تعالاى عن الوالد ، وقدرته على البعث ، وبدأها بقصة من خرق له العادة في الولد على وجه مبين أنه لا يحتاجه إلا فإن حسا أو معنى يريد أن يخلفه فيما تعسر عليه فعله أو تعذر ، وكان تقديم قصته أولى لأن التبكيت به أعظم لمباشرتهم لقتله وقتل ابنه يحيى عليهما الصلاة والسلام ، وإشارة إلى أن العمل الصالح المؤسس على التوحيد ضامن لإجابة الدعاء وإن كان فيه خرق العادة ، وثنى بأمر من نسبوء إليه وافتروه عليه

الصفحة 517