كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 520
وإظهار الخبء ) عبده ( منصوب برحمة ، لأنها مصدر بني على التاء ، لا أنها دالة على الوحدة ) زكريا ) أي ابن ماثان ، جزاء له على توحيده وعمله الصالح الذي حمله عليه الرجاء للقاء ربه ، والرحمة منه سبحانه المعونة والإجابة والإيصال إلى المراد ونحو ذلك من ثمرات الرحمة المتصف بها العباد ) إذ نادى ( ظرف الرحمة ) ربه ( .
ولما قدم تشريفه بالذكر والرحمة والاختصاص بالإضافة إليه فدل ذلك على كمال القرب ، قال : ( نداء خفياً ) أي كما يفعل المحب القريب مع حبيبه المقبل عليه في قصد خطاب السر الجامع بين شرف المناجاة ولذاذة الانفراد بالخلوة ، فأطلع سبحانه عليه لأنه يعلم السر وأخفى ، فكأنه قيل : كما ذلك الندا ؟ فقيل : ( قال رب ( بحذف الأداة للدلالة على غاية القرب ) إني وهن ) أي ضعف جداً ) العظم مني ) أي هذا الجنس الذي هو أقوى ما في بدني ، وهو أصل بنائه ، فكيف بغيره ولو جمع لأوهم أنه وهن مجموع عظامه لا جميعها ) واشتعل الرأس ) أي شعره مني ) شيباً ولم أكن ( فيما مضى قط مع صغر السن ) بدعائك ) أي بدعائي إياك ) رب شقياً ( فأجرِني في هذه المرة أيضاً على عوائد فضلك ، فإن المحسن يربي أول إحسانه بآخره وإن كان ما ادعوا به في غاية البعد في العادة ، لكنك فعلت مع أبي إبراهيم عليه السلام مثله ، فهو دعاء شكر واستعطاف ؛ ثم عطف على ( إني وهن ) قوله : ( وإني خفت الموالي ) أي فعل الأقارب أن يسيئوا الخلافة ) من وراءي ) أي في بعض الزمان الذي بعد موتي ) وكانت امرأتي عاقراً ( لا تلد أصلاً - بما دل عليه فعل الكون ) فهب لي ) أي فتسبب - عن شيخوختي وضعفي وتعويدك لي بالإجابة ، وخوفي من سوء خلافة أقاربي ، ويأسي عن الولد عادة بعقم امرأتي ، وبلوغي من الكبر حداً لاحراك بي معه - إني أقول لك يا قادراً على كل شيء : هب لي ) من لدنك ) أي من الأمور المستبطنة المستغربة التي عندك ، لم تجرها على مناهج العادات والأسباب المطردات ، لا من جهة سبب أعرفه ، فإن أسباب ذلك عندي معدومة .
وقد تقدم في آل عمران لذلك مزيد بيان ) ولياً ) أي من صلبي بدلالة ) ذرية ( في السورة الأخرى ) يرثني ( في جميع ما أنا فيه من العلم والنبوة والعمل ) ويرث ( زيادة على ذلك ) من ءال يعقوب ( جدنا مما خصصتهم به من المنح ، وفضلتهم به من النعم ، من محاسن الأخلاق ومعالي الشيم ، وخص اسم يعقوب اقتداء به نفسه إذ قال ليوسف عليهما الصلاة والسلام
77 ( ) ويتم نعمته عليك وعلى ءال يعقوب ( ) 7
[ يوسف : 6 ] ولأن إسرائيل صار علماً على الأسباط كلهم ، وكانت قد غلبت عليهم الأحداث ؛ وقد استشكل القاضي العضد في ( الفوائد الغياثية ) كونَ ) يرث ( على قراءة الرفع صفة بأنه يلزم عليه عدم إجابة دعائه عليه الصلاة والسلام لأن يحيى عليه السلام

الصفحة 520