كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 523
لتأكيدها ، والتلذيذ بترديدها ، وهل ذلك من امرأته أو غيرها ؟ وهل إذا كان منها يكونان على حالتهما من الكبر أو غيرها غير طائش ولا عجل ) رب ) أي المحسن إليّ بإجابة دعائي دائماً ) أنّى ) أي من أين وكيف وعلى أيّ حال ) يكون لي غلام ( يولد لي على غاية القوة والنشاط والكمال في الذكورة ) وكانت ) أي والحال أنه كانت ) امرأتي ( كانت شابة ) عاقراً ( غير قابلة للولد عادة وأنا وهي شابان فلم يأتنا ولد لاختلال أحد السبيبن فكيف بها وقد أسنت ) وقد بلغت ( أنا ) من الكبر عتياً ) أي أمراً في اليبس مجاوزاً للحد هو غاية في الكبر ما بعدها غاية ، وقد حصل من ذلك من الضعف ويبس الأعضاء وقحلها ما يمنع في العادة من حصول الولد مطلقاً لاختلال السببين معاً فضلاً عن أن يصلح لأن يعبر عنه بغلام ؛ قال البغوي في آل عمران : وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان ابن عشرين ومائة سنة ، وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة ؛ وقال الرازي في اللوامع : إن هذا على الاستخبار أيعطيه الله الولد بتلك الحال أم يقلبه شاباً ؟ ولله تعالى في كل صنع تدبيران : أحدهما المعروف الذي يسلكه الناس من توجيه الأسباب إلى المسببات ، والآخر يتعلق بالقدرة المحضة ، ولا يعرفه إلا أهل الاستبصار - انتهى .
) قال كذلك ) أي الأمر ؛ ثم علله بقوله : ( قال ربك ) أي الذي عودك بالإحسان ، وذكر مقول القول فقال : ( هو ) أي خلق يحيى منكما على هذه الحالة ) عليَّ ) أي خاصة ) هين ( لافرق عندي بينه وبين غيره ) وقد خلقتك ) أي قدرتك وصورتك وأوجدتك .
ولما كان القصد تشبيه حاله بالإتيان منه بولد على ضعف السبب بتقديره من النطفة على ضعف سبيتها لكونها تارة تثمر وتارة لا ، وهو الأغلب ، أتى بالجار إشارة إلى ذلك فقال : ( من قبل ) أي قبل هذا الزمان ) ولم ) أي والحال أنك لم : ولما كان عليه السلام شديد التشوف لما يلقى عليه من المعنى في هذه البشرى ، أوجز له حتى بحذف النون وليثبت أنه ليس له من ذاته إلا العدم المحض ، وينفي أن يكون له من ذاته وجود ولوعلى أقل درجات الكون لاقتضاء حاله في هذا التعجب لتذكيره في ذلك فقال : ( تلك شيئاً ) أي يعتد به ، ثم أبرزتك على ما أنت عليه حين أردت ، فتحقق بهذا أنه من امرأته هذه العاقر في حال كونهما شيخين ، ثم قيل جواباً لمن كأنه قال : ما قال بعد علمه بذلك ؟ : ( قال رب ) أي أيها المحسن إليّ بالتقريب ) اجعل لي ( على ذلك ) ءاية ) أي علامة تدلني على وقوعه ) قال ) أي الله : ( ءايتك ( على وقوع ذلك ) ألا تلكم الناس ) أي لا تقدر على كلامهم .
ولما بدئت السور بالرحمة ، وكان الليل محل تنزلها ( ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء