كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 524
الدنيا فيقول ) - الحديث ، قال : ( ثلاث ليال ) أي بأيامها - كما ذلك عليه التعبير بالأيام في آل عمران حال كونك ) سوياً ( من غير خرس ولا مرض ولا حبسة عن مطلق الكلام ، بل تناجي ربك فيها بتسبيحه وتحميده وتلاوة كتابه وكل ما أردت من مثل ذلك وكذا من عدا الناس من الملائكة وغيرهم من صالح عباد الله ، وجعلت الآية الدالة عليه سكوتاً عن غير ذكر الله دلالة على إخلاصه وانقطاعه بكليته إلى الله دون غيره ) فخرج ( عقب إعلام الله له بهذا ) على قومه ) أي عالياً على العلية منهم ) من المحراب ( الذي كان فيه وهو صدر الهيكل وأشرف ما فيه ، وهو منطلق اللسان بذكر الله منحبسه عن كلام الناس ) فأوحى إليهم ) أي أشار بشفتيه من غير نطق : قال الإمام أبو الحسن الرماني في آل عمران : والرمز : الإيماء بالشفتين ، وقد يستعمل في الإيماء بالحاجبين والعينين واليدين ، والأول أغلب ؛ قال : وأصله الحركة .
وسبقه إلى ذلك الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري فقال : وأما الرمز فإن الأغلب من معانيه عند العرب الإيماء بالشفتين ، وقد يستعمل في الإيماء بالحاجبين والعينين أحياناً ، وذلك غير كثير فيهم ، وقدي قال للخفي من الكلام الذي مثل الهمس بخفض الصوت الرمز .
ثم نقل أن المراد به هنا تحرك الشفتين عن مجاهد - انتهى .
وهو ظاهر أيضاً في الوحي لأنه مطلق الإشارة والكناية والكلام الخفي ، فيجوز أن يكون وحيه بكل منهما ، لا يقدر على غير ذلك في مخاطبته للناس ، فإذا توجه إلى مناجاة ربه سبحانه انطلق أحسن انطلاق ) أن سبحوا ) أي أوجدوا التنزيه والتقديس لله تعالى بالصلاة وغيرها ) بكرةوعشياً ( فحملت امرأته كما قلنا فولدت ولداً فسماه يحيى كما بشرناه به فكبر حتى ميز فقلنا : ( يا يحيى خذ الكتاب ) أي التوراة ) بقوة ( .
ولما كانت النبوة لا يستضلع بأمرها ويقوى على حملها إلا عند استحكام العقل ببلوغ الأشد ، وكان التطويق على أمرها قبل ذلك من العظمة بمكان ، دل عليه النون في قوله : ( وءاتيناه ( بما لنا من العظمة ) الحكم ) أي البنوة والفهم للتوراة ) صبياً ( لغلبة الروح عليه ، وهذه الخارقة لم تقتض الحكمة أن تكون لنبينا ( صلى الله عليه وسلم ) لأن قومه لا عهد لهم بالنبوة ، فكانوا إذا كذبوا لا يكون لهم من أنفسهم ما يلزمهم من التناقض ، فعُوّض أعظم من ذلك بغرائز الصدق التي أوجبت له تسميته بالأمين ليكونوا بذلك مكذبين لأنفسهم في تكذيبهم له .
وبمزيد إبقاء معجزته القرآنيه بعده تدعو الناس إلى دينه دعاء لا مرد له ) و ( آتيناه ) حناناً ) أي رحمة وهيبة ووقاراً ورقة قلب ورزقاً وبركة ) من لدنا ( من