كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 53
ودلت عليه رؤيا الملك من البقرات العجاف والسنابل اليابسات ) يأكلن ( أسند الأكل إليهن مجازاً عن أكل أهلهن تحقيقاً للأكل ) ما قدمتم ) أي بالادخار من الحبوب ) لهن ( والتقديم : التقريب إلى جهة القدام ، وبشرهم بأن الشدة تنقضي ولم يفرغ ما أعدوه ، فقال : ( إلا قليلاً مما تحصنون ( والإحصان : الإحراز ، وهو إلقاء الشيء فيما هو كالحصن المنيع - هذا تعبير الرؤيا ، ثم زادهم على ذلك قوله : ( ثم يأتي ( وعبر بالجار لمثل ما مضى فقال : ( من بعد ذلك ) أي الجدب العظيم ) عام ( وهو اثنا عشر شهراً ، ونظيره الحول والسنة ، وهو مأخوذ من العلوم - لما لأهله فيه من السبح الطويل - قاله الرماني .
والتعبير به دون مرادفاته إشارة إلى أنه من المعلوم أنه لا يقدر عليها إلا الله ، قال بانياً للمفعول : ( يغاث الناس ( من الغيث وهو المطر ، أو من الغوث وهو الفرج ، ففي الأول يجوز بناءه من ثلاثي ومن رباعين يقال غاث الله الأرض وأغاثها : أمطرها ، وفي الثاني هو رباعي خاصةن يقال : استغاث به فأغاثه ، من الغوث وهو واوي ، ومعناه النفع الذي يأتي على شدة حاجته بنفي المضرة ، والغيث يائي وهو المطر الذي يأتي في وقت الحاجة ) وفيه ) أي ذلك العام الحسن .
ولما كان العصر للأدهان وغيرها لا يكون إلا عن فضله ، قال : ( يعصرون ) أي يخرجون عصارات الأشياء وخلاصاتها ، وكأنه أخذ من انتهاء القحط ابتداء الخصب الذي دل عليه العصر في رؤيا السائل ، والخضرة والسمن في رؤيا الملك فإنه ضد القحط ، وكل ضدين انتهاء أحدهما ابتداء الآخر لا محالة ، فجاء الرسول فأخبر الملك بذلك ، فأعجبه ووقع في نفسه صدقه ) وقال الملك ) أي الذي العزيز في خدمته ) ائتوني به ( لأسمع ذلك منه وأكرمه ، فأتاه الرسول ليأتي به إلى الملك ) فلما جاءه ) أي يوسف عليه الصلاة والسلام عن قرب من الزمان ) الرسول ( بذلك وهو الساقي ) قال ( له يوسف : ( ارجع إلى ربك ) أي سيدك الملك ) فاسأله ( بأن تقول له مستفهماً ) ما بال النسوة ( ولوح بمكرهن به ولم يصرح ، ولا ذكر امرأة العزيز كرماً وحياء فقال : ( التي قطعن أيديهن ) أي ما خبرهن في مكرهن الذي خالطني ، فاشتد به بلائي فإنهن يعلمن أن امرأة العزيز ما دعتهن إلا بعد شهادتين بأنها راودتني ، ثم اعترفت لهن بأنها راودتني ، وأني عصيتها أشد عصيان ، فإذا سألهن بان الحق ، فإن ربك جاهل بأمرهن .
ولما كان هذا موطناً يسأل فيه عن علم ربه سبحانه لذلك ، قال مستأنفاً مؤكداً لأنهم عملوا في ذلك الأمر بالجهل عمل المكذب بالحساب الذي هو نتيجة العلم : ( إن

الصفحة 53