كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 531
كلامه لا يقبل الدفع ، وأما أنا فأنزه نفسي عن مجادلة السفهاء فلا أكلم إلا الملائكة أو الخالق بالتسبيح والتقديس وسائر أنواع الذكر ، قالوا : ومن أذل الناس سفيهاً لم يجد مسافهاً ، ومن الدلالة عليه بالصمت عن كلام الناس مع ما تقدم الإشارة إلى أنه ردع مجرد ) فأتت ) أي فلما سمعت هذا الكلام اشتد قلبها ، وزال حزنها ، وأتت ) به ) أي بعيسى ) قومها ( وإن كان فيهم قوة المحاولة لكل ما يريدونه إتيان البريء الموقن بأن الله معه ) تحمله ( غير مبالية بأحد ولا مستخفية فكأنه قيل : فما قالوا لها ؟ فقيل : ( قالوا يا مريم ( ما هذا ؟ مؤكدين لأن حالها في إتيانها يقتضي إنكار كلامهم ) لقد جئت ( بما نراه ) شيئاً فرياً ( قطعياً منكراً ) يأخت هارون ( في زهده وورعه وعفته وهو صالح كان في زمانها أو أخو موسى عليه السلام ) ما كان أبوك ) أي عمران ساعة من الدهر ) امرأ سوء ( لنقول : نزعك عرق منه ) وما كانت أمك ( في وقت من الأوقات ) بغياً ) أي ذات بغي أي عمد لتتأسى بها ) فأشارت ( امتثالاً لما أمرت به ) إليه ) أي عيسى ليكلموه فيجيب عنها ) قالوا كيف نكلم ( يا مريم ) من كان في المهد ) أي قبيل إشارتك ) صبياً ( لم يبلغ سن هذا الكلام ، الذي لا يقوله إلا الأكابر العقلاء بل الأنبياء والتعبير ب ( كان ) يدل على أنه حين الإشارة إليه لم يحوجهم إلى أن يكلموه ، بل حين سمع المحاورة وتمت الإشارة بدا منه قوله خارق لعادة الرضعاء والصبيان ، ويمكن أن تكون تامة مشيرة إلى تمكنه في حال ما دون سن الكلام ، ونصب ) صبياً ( على الحال ، فلما كانت هذه العبارة مؤذنة بذلك استأنف قوله : ( قال ) أي وصفاً نفسه بما ينافي أوصاف الأخابث ، مؤكداً لإنكارهم أمره فقال : ( إني عبد الله ) أي الملك الأعظم الذي له صفات اكمال لا أتعبد لغيره ، إشارة إلى الإعتقاد الصحيح فيه ، وأنه لا يستعبده شيطان ولا هوى ) ءاتاني الكتب ) أي التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الصحف على صغر سني ) وجعلني ) أي في علمه ) نبياً ( ينبئ بما يريد في الوقت الذي يريد ، وقيل في ذلك : فانبئكم به ) وجعلني مباركاً ( بأنواع البركات ) أين ما ( في أي مكان ) كنت ( فيه .
ولما سبق علمه سبحانه أنه يدعي في عيسى الإلهية أمره أن يقول : ( وأوصاني بالصلاة ( له طهرة للنفس ) والزكاة ( طهره للمال فعلاً في نفسي وأمراً لغيري ) ما دمت حياً ( ليكون ذلك حجة على من أطره لأنه لا شبهة في أن من يصلي لإله ليس بإله ) وبراً ) أي وجعلني براً ، أي واسع الخلق طاهره .
ولما كان السياق لبراءتها فبين الحق في وصفه ، صرح ببراءتها فقال : ( بوالدتي ) أي التي أكرمها الله بإحصان الفرج والحمل بي من غير ذكر ، فلا والد لي غيرها ) ولم