كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 533
للشك أصلاً ؛ ثم دل على كونه ابن مريم لا غيرها بقوله رداً على من ضل : ( ما كان ) أي ما صح ولا تأتي ولا تصور في العقول ولا يصح ولا يتأتيى لأنه من المحال لكونه يلزم منه الحاجة ) لله ( الغني عن كل شيء ) إن يتخذ ( ولما كان المقام يقتضي النفي العام ، أكده ب ( من ) فقال : ( من ولد ( .
ولما كان اتخاذ الولد من النقائص ، أشار إلى ذلك بالتنزيه العام بقوله : ( سبحانه ) أي تنزه عن كل نقص من احتياج إلى ولد أو غيره ثم علل ذلك بقوله : ( إذا قضى أمراً ) أي أمر كان ) فإنما يقول له كن ) أي يريده ويعلق قدرته به ) فيكون ( من غير حاجة إلى شيء أصلاً ، فكيف ينسب إلى الاحتياج إلى الإحبال والإيلاد والتربية شيئاً فشيئاً كما أشار إليه الاتخاذ .
ولما كان لسان الحال ناطقاً عن عيسى عليه الصلاة والسلام بأن يقول : وقد قضاني الله فكنت كما أراد ، فأنا عبد الله وروسوله فاعتقدوا ذلك ولا تعتقدوا سواه من الأباطيل ، عطف عليه في قراءة الحرميين وأبي عمرو قوله : ( وإن الله ) أي الذي له ذلك ) فاعبدوه ( وحده لتفرده بالإحسان كما أعبده ، وقراءة الباقين بالكسر على أنه مقول عيسى عليه السلام الماضي ، ويكون اعتراض ما تقدم من كلام الله بينهما للتأكيد والاهتمام .
ولما كان اشتراك الخلائق في عبادة الخالق بعمل القلب والجوارح علماً وعملاً أعدل الأشياء ، أشارإلى ذلك بقوله : ( هذا ) أي الذي أمرتكم به ) صراط مستقيم ( لأنا بذلنا الحق لأهله بالاعتقاد الحق والعمل الصالح ، ولم يتفضل أحد منا فيه على صاحبه .
ولما كان المنهج القويم بحيث يكون سبباً للاجتماع عند كل صحيح المزاج ، عجب منهم في استثمارغير ذلك منه فقال : ( فاختلف ) أي فتسبب عن هذا السبب للاجتماع أنه اختلف ) الأحزاب ( الكثيرون .
ولما كان الاختلاف لم يعم جميع المسائل التي في شرعهم قال : ( من بينهم ) أي بني إسرائيل المخاطبين بذلك خاصة لم تكن فيهم فرقة من غيرهم في هذه المقالة القويمة التي لا تنبغي لمن له أدنى مسكة أن يتوقف في قبولها ، فمنهم من أعلم أنها الحق فاتبعها ولم يحد عن صوابها ، ومنهم من أبعد في الضلال عنها بشبه لا شيءأو هي منها ؛ روي عن قتادة أنه اجتمع من أحبار بني إسرائيل أربعة : يعقوب ونسطوروملكا وإسرائيل ، فقال يعقوب : عيسى هو الله نزل إلى الأرض فكذبه الثلاثة واتبعه اليعقوبية ، وقال نسطور : عيسى ابن الله فكذبه الاثنان واتبعه

الصفحة 533