كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 537
الأعمى الأصم قد ينفع بكلام أو غيره ، قال : ( ولا يغني عنك شيئاً ( من الإغناء .
ولما نبه على أن ما يعبده لا يستحق العبادة ، بل لا تجوز عبادته ، لنقصه مطلقاً ثم نقصه عن عابده ، ولن يكون المعبود دون العابد أصلاً ، وكان أقل ما يصل إليه بذلك مقام الحيرة ، نبهه على أنه أهل للهداية ، فقال مكرراً لوصفه المذكور بالعطف والود : ( يأبت ( وأكد علماً منه أنه ينكر أن يكون ابنه أعرف منه بشيء فقال : ( إني قد جاءني ( من المعبود الحق ) مت العلم ما لم يأتك ( منه ) فاتبعني ) أي فتسبب عن ذلك أني أقول لك وجوباً على النهي عن المنكر ونصيحة لما لك علي من الحق : اجتهد في تبعي ) أهدك صراطاً سوياً ( لا عوج فيه ، كما أني لو كنت معك في طريق محسوس وأخبرتك أن أمامنا مهالك لا ينجو منها أحد ، وأمرتك أن تسلك مكاناً غير ذلك ، لأطعتني ، لو عصيتني فيه عدك كل أحد غاوياً .
ولما بين أنه لا نفع فيما بعده ، ونبهه على الوصف المقتضي لوجوب الاقتداء به ، بين له ما في عبادة معبوده من الضر فقال : ( يا أبت لا تعبد الشيطان ( فإن الأصنام ليس لها دعوة أصلاً ، والله تعالى قد حرم عبادة غيره مطلقاً على لسان كل ولي له ، فتعين أن يكون الآمر بذلك الشيطان ، فكان هو المعبود بعبادتها في الحقيقة ؛ ثم علل هذا النهي فقال : ( إن الشيطان ( البعيد من كل خير المحترق باللعنة ، وذكر الوصف الموجب للإملاء للعاصي فقال : ( كان للرحمن ( المنعم بجنيع النعم القادر على سلبها ، ولم يقل : للجبار - لئلا يتوهم أنه ما أملى لعاصيه مع جبروته إلا للعجز عنه ) عصياً ( بالقوة من حين خلق ، وبالفعل من حين أمره بالسجود لأبيك آدم فأبى فهو عدو لله وله ، والمطيع للعاصي لشيء عاص لذلك الشيء ، لأن صديق العدو عدو .
فلما بين له أنه بذلك عاص للمنعم ، خوفه من إزالته لنعمته فقال : ( يا أبت إني أخاف ( لمحبتي لك وغيرتي عليك ) أن يمسك عذاب ) أي عذاب كائن ) من الرحمن ) أي الذي هو ولي كل من يتولاه لعصيانك إياه ) فتكون ) أي فتسبب عن ذلك أن تكون ) للشيطان ( وحده وهو عدوك المعروف العداوة ) ولياً ( فلا يكون لك نصرة أصلاً ، مع ما يوصف به من السخافة باتباع العدو الدني ، واجتناب الولي العلي .
فلما وصل إلى هذا الحد من البيان ، كان كأنه قيل : ماذا كان جوابه ؟ فقيل : ( قال ( مقابلاً لذلك الأدب العظيم والحكمة البالغة الناشئة عن لطافة العلم بغاية الفظاظة الباعث كثافة الجهل ، منكراً عليه في جميع ما قال بإنكار ما بعثه عليه من تحقير آلهته : ( أراغب ( قدم الخبر لشدة عنايته والتعجب من تلك الرغبة والإنكار لها ، إشارة إلى أنه لا يفعلها أحد ؛ ثم صرح له بالمواجهة بالغلظة فقال : ( أنت ( وقال : ( عن ءالهتي (

الصفحة 537