كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 54
ربي ) أي المدبر لي والمحسن إلي ما أتقلب فيه من شدة ورخاء ) بكيدهن ( لي حين دعونني إلى طاعة امرأة العزيز ) عليم ( وأنا لا أخرج من السجن حتى يعلم ربك ما خفي عنه أمرهن الذي علمه ربي ، لتظهربراءتي على رؤوس الأشهاد مما وصموني به من السجن الذي من شأنه أن لا يكون إلا عن جرم ، وإن لم تظهر براءتي لم ينقطع عني كلام الحاسدين ، ويوشك أن يسعوا في حط منزلتي عند الملك ، ولئلا يقولوا : ما لبث هذا السجن إلا لذنب عظيم فيكون في ذلك نوع من العار لا يخفي ، وفي هذا دليل على أن السعي في براءة العرض حسن ، بل واجب ، وأخرج الكلام على سؤال عن علم ما لم يعلم يهيجه ويلهبه إلى البحث عنه ، بخلاف سؤاله في أن يفتش لغيره ، ليعلم ذلك الغير ، فأراد بذلك حثه لأن يجدّ في السؤال حتى يعلم الحق ، ليقبل بعد ذلك جميع ما حدثه به ؛ والكيد : الاحتيال في إيصال الضرر .
وإنما فسرت ( بال ) بذلك لأن مادته - يائية بتراكيبها الخمسة : بلى ، وبيل ، ولبى ، وليب ، ويلب ، وواوية بتراكيبها الستة : بول ، وبلو ، وولب ، ووبل ، ولوب ، ولبو ، ومهموزة - بتراكيبها الأربعة : لبأ ، وبأل ، وأبل وألب - تدور على الخلطة المحيلة المميلة ، وكأن حقيقتها البلاء بمعنى الاختبار والامتحان والتجربة ، ويكون في الخير والشر ، أي خالطه بشيء يعرف منه خفي أمره ؛ قال القزاز : والفتنة تكون في الشر خاصة ، والبلاء : النعمة ، من قولك : أبليته خيراً - إذا اصطنعته عنده ، وقد تقدم في سورة الأنفال شيء من معاني المادة ، وناقة بلو سفر وبلى سفر - إذا أنضاها السفر ، وإذا كانت قوية عليه ، والبلوى : البلية ، وأبليت فلاناً عذراً ، أي جئت فيما بيني وبينه ما لا لوم فيه ، أي خالطته بشيء أزال اللوم ، والبلية : دابة كانت تشد في الجاهليةة عند قبر صاحبها ولا تعلف ولا تسقي حتى تموت ، ويقال : الناس بذي بلى وبذي بليان ، أي متفرقين ، كأن حقيقته أنه حل بهم صاحب خلطة شديدة فرقت بينهم ، وبلى الشيء - بالكسر بلى مقصوراً وبلاء ممدوداً - إذا فنى وعطب ، وبلى فلان بكذا - مبيناً للمفعول ، وابتلى به - إذا أصابه ذلك ؛ والبول : ولد الرجل ، والعدد الكثير ، والانفجار ، وضد الغائط ، ولا ريب أن كلاً من ذلك إذا خالطه الحيوان أحال حاله ؛ والبال : الاكتراث والفكروالهم ، ومن ذلك عندي : ما باليت به : لم أكترث به ، وكذا ما أباليه بالة ، وهي مصدر منه ، ولم أبال به ، ولم أبل ، ولكنهم قلبوه من : باولت به ، لئلا يلتبس بالبول - والله أعلم ، وحقيقتهما : ما استعملتُ بالي الذي هو فكري فيه وإن أعمل هو فكره في أمري ، أي إنه أقل من أن يفكر في أمره ، ومن المعلوم أن الفكر محل الخلطة المميلة ، والبال : المر الذي يعتم به في أرض الزرع - لمشقة العمل به ، والبال : سمكة غليظة تسمى جمل