كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 540
أعماله كما أشارت إليه قراءة الجمهور - من غير كلفة في شيء ، في ذلك لأن الله أخلصه له كما في قراءة الكوفيين بالفتح ) وكان رسولاً ( إلى بني إسرائيل والقبط ) نبياً ( ينبئه الله بما يريد من وحيه لينبئ به المرسل إليهم ، فيرفع بذلك قدره ، فصار الإخبار بالنبوة عنه مرتين : إحداهما في ضمن ) رسولاً ( والأخرى صريحاً مع إفهام العلو باشتقاقه من النبوة ، وبكون النبأ لا يطلق عليه غالباً إلا على خبر عظيم ، فصار المراد : رسولاً عالياً مقداره ويخبر بالأخبار الجليلة ، وفيه دفع لما يتوهم من أنه رسول عن بعض رسله كما في أصحاب يس ؛ وعطف على ذلك دليله الدال على ما صدرت به السورة من الرحمة ، فرحمة بتأنيس وحشته وتأهيل غربته بتلذيذه بالخطاب وإعطائه الكتاب فقال : ( وناديناه ) أي بما لنا من العظمة ) من جانب الطور ) أي الجانب ) الأيمن ( فأنبأه هنالك - حين كان متوجهاً إلى مصر - بأنه رسولنا ، ثم واعدناه إليه بعد إغراق آل فرعون ، فكان لنبي إسرائيل به من العجائب في رحمتهم بإنزال الكتاب ، والإلذاذ بالخطاب ، من جوف السحاب ، وفي إماتتهم لما طلبوا الرؤية ، ثم إحيائهم وغير ذلك ما يجل عن الوصف على ما هو مذكور في التوراة ، وتقدم كثير منه في هذا الكتاب ) وقربناه ( بما لنا من العظمة تقريب تشريف حال كونه ) نجيّاً ( نخبره من أمرنا بلا واسطة من النجوى وهي السر والكلام بين الاثنين كالسر ، والتشاور كما في يوسف ويأتي في المجادلة ) ووهبنا له ) أي هبة تليق بعظمتنا ) من رحمتنا ( له لما سألنا ) أخاه ) أي معاضدة أخيه وبينه بقوله : ( هارون ( حال كونه ) نبياً ( أو هو بدل أي نبوته شددنا به أزره ، وقوينا به أمره ، وكان يخلفه من قومه عند ذهابه إلى ساحة المماجاة ، ومع ذلك فأشركوا بي صورة عجل ، فلا تعجب من غرورهم للعرب مع مباشرتهم لهذه العظائم .
ولما كان إسماعيل عليه الصلاة والسلام هو الذي ساعد أباه إبراهيم عليه السلام في بناء البيت الذي كان من الأفعال التي أبقى الله بها ذكره ، وشهر أمره وكان موافقاً لموسى عليه السلام في ظهور آية الماء الذي به حياة كل شيء وإن كانت آية موسى عليه السلام بانقضائه ، وآيته هو باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وهي التي كانت سبب حياته وماؤها ببركته أفضل مياه الأرض ، وجعل سبحانه آية الماء التي أظهرها له سبب حفظه من الجن والإنس والوحش وسائر المفسدين ، إشارة إلى أنه سبحانه يحيي بولده محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الذي غذاه بذلك الماء ورباه عند ذلك البيت إلى أن اصطفاه برسالته ، فحسدته اليهود وأمرت بالتعنت عليه - ما لم يحي بغيره ، ويجعله قطب الوجود كما خصه - من بين آل إبراهيم عليه السلام - بالبيت الذي هو كذلك قطب الوجود ، ويشفي به من داء الجهلن ويغني به من مرير الفقر ، كما جعل ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم ، وكان ( صلى الله عليه وسلم ) آخر من شيد قدرهم ، وأعظم من أعلى ذكرهم ، عقب