كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 551
هو أكبر من ذلك من جميع الأكوان : ( أو لا يذكر ( بإسكال الذال على قراءة نافع وابن عامر وعاصم إشارة إلى أنه أدنى ذكر من هذا يرشده إلى الحق ، وقراءة الباقين بفتح الذال والكاف وتشديدهما إلى أنه - لا ستغراقه في الغفلة - يحتاج إلى تأمل شديد ) الإنسان ) أي الآنس بنفسه ، المجترئ بهذا الإنكار على ربه وقوفاً مع نفسه ) أنا خلقناه ( وأشار الجار إلى سبقه بالعدم فقال : ( من قبل ) أي من قبل جدله هذا أي بما لنا من القدرة والعظمة .
ولما كان المقام لتحقيره بكونه عدماً ، أعدم من التعبير عن ذلك ما أمكن إعدامه ، وهو النون ، لتناسب العبارة المعتبر فقال : ( ولم يك شيئاً ( أصلاً ، وإنا بمقتضى ذلك قادرون على إعادته فلا ينكر ذلك .
ولما كان كلام الكافر صورته صورة الاستفهام ، وهو جحد في الحقيقة وأنكار ، وكان إنكار المهدَّد لشيء يقتدر عليه المهدد سبباً لأن يحققه لما مقسماً عليه ، قال تعالى مجيباً عن إنكاره مؤذناً بالغضب عليهم بالإعراض عنهم مخاطباً لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) تفخيماً لشأنه وتعظيماً لأمره : ( فوربك ( المحسن إليك بالانتقام منهم .
ولما كان الإنكار للبعث يلزم منه الاحتقار ، أتى بنون العظمة ، استمر في هذا التحلي بهذا المظهر إلى آخر وصف هذا اليوم فقال : ( لنحشرنهم ( بعد البعث ) والشياطين ( الذين يضلونهم بجعل كل واحد منهم مع قرينه الذي أضله ، في سلسلة ) ثم لنحضرنهم ( بعد طول الوقوف ) حول جهنم ( التي هم بها مكذبون ، يحيطون بها لضيق رأسها وبعد قعرها ، حال كونهم ) جثياً ( على الركب من هول المطلع وشدة الذل ، مستوقرين تهيؤوا للمبادرة إلى امتثال الأوامر ) ثم لننزعن ) أي لنأخذن أخذاً بشدة وعنف ) من كل شيعة ) أي فرقة مرتبطة بمذهب واحد .
ولما كان التقدير : لننزعن أغناهم ، وهم الذين إذا نظرت إلى كل واحد منهم بخصوصه حكمت بأنه أغنى الناس ، علم أنهم بحيث يحتاج إلى السؤال عنهم لإشكال أمرهم فقال : ( أيهم أشد على الرحمن ( الذي غمرهم بالإحسان ) عتياً ) أي تكبراً متجاوزاً للحد ، انتزاعاً يعلم به أهل الموقف أنه أقل من القليل ، وأوهى أمراً من القتيل ، وأن له سبحانه - مع صفة الرحمة التي غمرهم إحسانها وبرها - صفات أخرى من الجلال والكبرياء والجبروت والانتقام .
ولما تقدم ما هو في صورة الاستفهام ، أتبعه ما يزيل ما قد يقع بسببه من بعض الأوهام ، فقال : ( ثم ( وعزتنا ) لنحن ( لشمول علمنا وكمال قدرتنا وعظمتنا ) أعلم (