كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 553
ولما كان هذا جديراً بالقبول لقيام الأدلة على كمال قدرة قائله ، وتنزهه عن إخلاف القول ، لبراءته من صفات النقص ، قال معجباً من منكره عاطفاً على قوله ) ويقول الإنسان ( : ( وإذا تتلى عليهم ) أي الناس ، من أيّ تال كان ) ءاياتنا ( حال كونها ) بينات ( لا مرية فيها ، بأن تكون محكمات ، أو متشابهات قد تبعها البيان بالمحكمات ، أو ببيان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فهي حال مؤكدة أو كاشفة ) قال الذين كفروا ( بآيات ربهم البينة ، جهلاً منهم ونظراً إلى ظاهر الحياة الدنيا الذي هو مبلغهم من العلم ) للذين ءامنوا ) أي لأجلهم أو مواجهة لهم ، إعراضاً عن الاستدلال بالآيات ، ووجوه دلالتها البينات ، بالإقبال على هذه الشبهة الواهية - وهي المفاخرة بالمكاثرة في الدنيا - من قولهم : ( أي الفريقين ( نحن - بما لنا من الاتساع ، أم أنتم - بما لكم من خشونة العيش ورثاثة الحال ) خير مقاماً ) أي موضع قيام أو إقامة - على قراءة ابن كثير بضم الميم والجماعة بفتحها : ( وأحسن ندياً ( مجمعاً ومتحدثاً باعتبار ما في كل من الرجال ، وما لهم من الزي والأموال ، ويجعلون ذلك الامتحان بالإلغام والإحسان دليلاً على رضى الرحمن ، مع التكذيب والكفران ، ويغفلون عن أن في ذلك - مع التكذيب بالبعث - تكذيباً مما يشاهدونه منا من القدرة على العذاب بإحلال النقم ، وسلب النعم ، ولو شئنا لأهلكناهم وسلبنا جميع ما يفتخرون به ) وكم أهلكنا ( بما لنا من العظمة .
ولما كان المراد استغراق الزمان ، لم يأت بالجار إعلاماً بأن المتقدمين كلهم كانوا أرغد عيشاً وأمكن حالاً فقال : ( قبلهم من قرن ) أي شاهدوا ديارهم ، ورأوا آثارهم ؛ ثم وصف كم بقوله : ( هم ) أي أهل تلك القرون ) أحسن ( من هؤلاء ) أثاثاً ) أي أمتعة ) ورئياً ) أي منظراً ، فكأنه قيل : فما يقال لهم ؟ فقال : ( قل ) أي لهم رداً عليهم وقطعاً لمعاذيرهم وهتكاً لشبههم : هذا الذي افتخرتم به لا يدل على حسن الحال في الآخرة ، بل على عكس ذلك ، فقد جرت عادته سبحانه أنه ) من كان في الضلالة ( مثلكم كوناً راسخاً بسط له في الدنيا وطيب عيشه في ظاهر الحال فيها ، ونعم بأنواع الملاذ ، وعبر عن أن ذلك لا يكاد يتخلف عن غير من حكم بإلزامه المسكنة من اليهود بلام الأمر ، إيذاناً بوجوده وجود المأمور به الممتثل في قوله : ( فليمدد ( وأشار إلى التحلي لهم بصفة الإحسان بقوله : ( له الرحمن ) أي العام الامتنان ) مداً ( في العاجلة بالبسط في الآثار ، والسعة في الديار ، والطول في الأعمار ، وإنفاقها فيما يستلذ من الأوزار الكبار ، فيزيده العزيز الجبار بذلك ضلالة ، فيا له من خسار ، وتباب وتبار ، لمن له استبصار ، ولا نزال نمد هل استدراجاً ) حتى ( وحقق أخذهم بأداة التحقيق فقال : ( إذا رأوا ) أي كل من كفر بالله بأعينهم وإن ادعوا أنهم يتعاضدون ويتناصرون ، ولذلك

الصفحة 553