كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 555
ولما تضمن هذا من التهديد بذلك اليوم ما يقطع القلوب ، فيوجب الإقبال على ما ينجي منه ، عجب من حال من كفر به ، موبخاً له ، منكراً عليه ، عاطفاً على ما أرشد إليه السياق فقال معبراً عن طلب الخير بالرؤية التي هي الطريق إلى الإحاطة بالأشياء علماً وخبرة ، وإلى صحة الخبر عنها : ( أفرءيت ) أي أرأيت الذي يعرض عن هذا اليوم فرأيت ) الذي ( زاد على ذلك بأن ) كفر بآياتنا ( الدالات على عظمتنا بالدلالات البينات ) وقال ( جراءة منه وجهلاً ؛ أو يقال : إنه لما هول أمر ذلك اليوم .
وهتك أستار مقالاتهم ، وبين وهيها ، تسبب عن ذلك التعجيبُ ممن يقول : ( لأوتين ) أي والله في الساعة على تقدير قيامها ممن له الإيتاء هنالك ) مالاً وولداً ) أي عظيمين ، فلم يكفه في جهله تعجيز القادر حتى ضم إليه إقدار العاجز .
ولما كان ما ادعاه لا علم له به إلا بأحد أمرين لا علم له بواحد منهما ، أنكر عليه قوله ذلك بقوله : ( أطلع الغيب ( الذي هو غائب عن كل مخلوق ، فهو في بعده عن الخلق كالعالي الذي لا يمكن أحداً منهم الاطلاع عليه ، وتفرد به الواحد القهار ) أم اتخذ ) أي بغاية جهده ) عند الرحمن ( العام الرحمة بالإنعام على الطائع والانتقام من العاصي ثواباً للطائع ) عهداً ( عاهده عليه بأنه يؤتيه ما ذكر بطاعة فعلها له على وجهها ليقف سبحانه فيه عند قوله .
ولما كان كل من الأمرين : إطلاع الغيب واتخاذ العهد ، وكذا ما ادعاه لنفسه ، وما يلزم عن اتخاذ العهد من القرب ، منتفياً قال : ( كلاًّ ) أي لم يقع شيء من هذين الأمرين ، ولا يكون ما ا دعاه فليرتفع عنه صاغراً .
ولما كان النفي هنا عن الواحد مفهماً للنفي عما فوقه اكتفى به ، ولما رد ذلك استأنف الجواب لسؤال من كأنه قال : فماذا يكون له ؟ بقوله مثبتاً السين للتوكيد في هذا التهديد : ( سنكتب ما يقول ) أي نحفظه عليه حفظ من يكتبه لنوبخه به ونعذبه عليه بعد الموت فيظهر له بعد طول الزمان أن ما كان فيه ضلال يؤدي إلى الهلاك لا محالة ، ويجوز أن تكون السين على بابها من المهلة ، وكذا الكتابة ، والإعلام بذلك للحث على التوبة قبل الكتابة ، وذلك من عموم الرحمة ) ونمد له من العذاب مداً ( باستدراجه بأسبابه من كثرة النعم من الأموال والأولاد المحببة له في الدنيا ، المعذبة له فيها ، بالكدح في جمعها والمخاصمة عليها الموجبة له التمادي في الكفر الموجب لعذاب الآخرة ، وإتيان بعضه في إثر بعض
77 ( ) إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ( ) 7
[ التوبة : 85 ] ) ونرثه ( بموته عن جميع ذلك ؛ ثم أبدل من ضميره قوله : ( ما يقول ) أي من المال والولد فنحول بينه وبينهم بعد البعث كما فعلنا