كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 558
مقطع هذه التي كانت بالنظر إلى النعم شيئاً واحداً على مطلعها ) وفداً ) أي القادمين في إسراع ورفعة وعلى ، كما تقدم الوفود على الملوك ، فيكونون في الضيافة والكرامة .
ولما ذكر ما يدل على كرامة أوليائه ، أتبعه ما يدل على إهانة أعدائه فقال : ( ونسوق المجرمين ) أي بالكفر وغيره من المعصية ، كالبهائم سوقاً عنيفاً مزعجاً حثيثاً ) إلى جهنم ( بسطوة المنتقم الجبار ) ورداً ) أي عطاشاً ) لا يملكون الشفاعة ) أي لا يملك أحد من القسمين أن يَشفَع ولا أن يشفَّع فيه ) إلا من اتخذ ) أي كلف نفسه واجتهد في أن أخذ ) عند الرحمن عهداً ( بما وفقه له من الإيمان والطاعة التي وعده عليها أن يشفع أو أن يشفع فيه ؛ فالآية من الاحتباك : ذكر الرحمن أولاً دليلاً على المنتقم ثانياً ، وجهنم ثانياً دليلاً على حذف الجنة أولاً .
ولما أبطل مطلق الشفعاء ، وكان الولد أقرب شفيع ، وكانوا قد ادعوا له ولداً ، أبطل دعواهم فيه لينتفي كل شفيع خاص وعام ، فينتفي كل عز راموه بشفاعة آلهتهم وغيرها .
فقال عاطفاً على قوله : ( واتخذوا من دون الله آلهة ( موجباً منهم : ( وقالوا ) أي الكفرة ) اتخذ الرحمن ) أي الذي لا منعم غيره ، فكل أحد محتاج إليه وهو غني عن كل أحد ) ولداً ( قالت اليهود : عزير ، والنصارى : المسيح ، والمشركون : الملائكة ، مع قيام الأدلة على استحالته عليه سبحانه ؛ ثم استأنف الالتفات إلى خطابهم بأشد الإنكار ، إيماء إلى تناهي الغضب فقال : ( لقد ) أي وعزتي لقد ) جئتم شيئاً إدّاً ) أي عظيماً ثقيلاً منكراً ؛ ثم بين ثقله بقوله : ( تكاد السماوات ( على إحكامها ، مع بعدها من أصحاب هذا القول ) يتفطرون ) أي يأخذن في الانشقاق ) منه ( اي من هذا الشيء الإدّ ) وتنشق الأرض ( على تحتها شقاً نافذاً واسعاً ) وتخر ) أي تسقط سريعاً ) الجبال ( على صلابتها ) هداّ ( كما ينفسخ السقف تحت ما لا يحتمله من الجسم الثقيل ، لأجل ) أن ادعوا ) أي سموا ) للرحمن ( الذي كل ما سواه نعمة منه ) ولداً ( هذا المفعول الثاني ، وحذف الأول لإرادة العموم ) وما ينبغي ) أي ما يصح ولا يتصور ) للرحمن أن يتخذ ولداً ( لأنه غير محتاج إلى الولد بوجه ، ومع ذلك فهو محال ، لأن الولد لا يكون إلا مجانساً للوالد ، ولا شيء من النعم بمجانس للمنعم المطلق الموجد لكل ما سواه ، فمن دعا له ولداً قد جعله كبعض خلقه ، وأخرجه عن استحقاق هذا الاسم ، ثم أقام الدليل على غناه عن ذلك واستحالته عليه ، تحقيقاً لوحدانيته ، وبياناً لرحمانيته ، فهدم بذلك الكفر بمطلق الشريك بعد أن هدم الكفر بخصوص الولد فقال : ( إن ) أي ما ) في السماوات والأرض ( الذين ادعوا أنهم ولد وغيرهم ) إلا ( .
ولما