كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 57
ومن حمر الوحش والوعل ، وهي بهاء ، وما كان كذلك أحال ما خالطه ، والإلب - بالكسر : الفتر ، وشجرة كالأترج سم ، وذلك ظاهر في الإحالة ، وبالفتح : نشاط الساقي ، وميل النفس إلى الهوى ، والعطش ، والتدبير على العدو من حيث لا يعلم ، ومسك السخلة ، والسم ، والطرد الشديد ، وشدة الحمى والحر ، وابتداء برء الرمل ، وكل ذلك ظاهر الإحالة ، وريح ألوب : باردة تسفي التراب ، ورجل ألوب : سريع إخراج الدلو ، أو نشيط ، فمن خالطه أحاله ، وهم عليه ألب وإلب واحد : مجتمعون عليه بالظلم والعداوة ، وذلك محيل لا شك فيه ، والإلبة بالضم : المجاعة ، وبالتحريك : اليلبة ، والتأليب : التحريض والإفساد ، وكل ذلك ظاهر في الإحالة ، وكذا المئلب - للسريع ، والألب : الصفو ، وهو محيل ، والألب - بالتحريك : اليلب ، وقد مضى أنها الترسة - والله أعلم .
ولما قال يوسف عليه الصلاة والسلام ذلك وأبى أن يخرج من السجن قبل تبين الأمر ، رجع الرسول إلى الملك فأخبره بما قال عليه الصلاة والسلام فكأنه قيل : فما فعل الملك ؟ فقيل : ( قال ( للنسوة بعد أن جمعهن : ( ما خطبكن ) أي شأنكن العظيم ؛ وقوله : ( إذ راودتن ) أي خادعتن بمكر ودوران ومراوغة ) يوسف عن نفسه ( دليل على أن براءته كانت متحققة عند كل من علم القصة ، فكأن الملك وبعض الناس - وإن علموا مراودتهن وعفته - ما كانوا يعرفون المراودة هل هي لهن كلهن أو لبعضهن ، فكأنه قيل : ما قلن ؟ فقيل : مكرن في جوابهن إذ سألهن عما عملن من السوء معه فأعرضن عنه وأجبن بنفي السوء عنه عليه الصلاة والسلام ، وذلك أنهن ) قلن حاش لله ) أي عياذاً بالملك الأعظم وتنزيهاً له من هذا الأمر ، فأوهمن بذلك براءتهن منه ؛ ثم فسرن هذا العياذ بأن قلن تعجباً من عفته التي لم يرين مثلها ، ولا وقع في أوهامهن أن تكون لآدمي وإن بلغ ما بلغ : ( ما علمنا عليه ) أي يوسف عليه الصلاة والسلام ، وأعرقن في النفي فقلن : ( من سوء ( فخصصنه بالبراءة ، وهذا كما تقدم عند قول الملأ ) أضغاث أحلام ( هذا هو جواب للملك الذي تبهر رؤيته وتخشى سطوته ، فكان من طبع البلد عدم الإفصاح في المقال - حتى لا ينفك عن طروق احتمال فيكون للتفصي فيه مجال - وعبادة الملوك إلا من شاء الله منهم .
ولما تم ذلك ، كان كأنه قيل : فما قالت التي هي أصل هذا الأمر ؟ فقيل : ( قالت امرأت العزيز ( مصرحة بحقيقة الحال : ( الئان حصحص الحق ) أي حصل على أمكن