كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 60
قيل : إن الملك كان يتكلم بسبعين لساناً فكلمه بها ، فعرفها كلها ، ثم دعا للملك بالعبراني ، فلم يعرفه الملك فقال له : ما هذا اللسان ؟ قال : لسان آبائي ، فمعظم عنده جداً ، فكأنه قيلك فما قال الصديق ؟ فقيل : ( قال ( ما يجب عليه من السعي في صلاح الدين والدنيا ) اجعلني ( قيماً ) على خزائن الأرض ) أي أرض مصر التي هي لكثرة خيرها كأنها الأرض ؛ ثم علله بما هو مقصود الملوك الذي لا يكادون يقفون عليه فقال : ( إني حفيظ ) أي قادر عل ضبط ما إليّ أمين فيه ) عليم ) أي بالغ العلم بوجوه صلاحه واستنمائه فأخبر بما جمع الله له من أداتي الحفظ والفهم ، مع ما يلزم الحفظ من القوة والأمانة ، لنجاة العباد مما يستقبلهم من السوء ، فيكون ذلك سبباً لردهم عن الدين الباطل إلى الدين الحق .
ولما سأل ما تقدم ، قال معلماً بأنه بتسخير الله له : ( وكذلك ) أي مثل ما مكنا ليوسف في قلب الملك من المودة والاعتقاد الصالح وفي قلوب جميع الناس ، ومثل ما سأل من التمكين ) مكنا ) أي بما لنا من العظمة ) ليوسف في الأرض ) أي مطلقاً لا سيما أرض مصر بتولية ملكها إياه عليها ) يتبوأ ) أي يتخذذ منزلاً يرجع إليه ، من باء - إذا رجع ) منها حيث يشاء ( بإنجاح جميع مقاصده ، لدخولها كلها تحت سلطانه .
لتبقى أنفس أهل المملكة وما ولاها على يدهن فيجوز الأجر وجميل الذكر مع ما يزيد يه من علو الشأن وفخامة القدر ، فكأنه قيل : لم كان هذا ؟ فقال : لأمرين : أحدهما أن لنا الأمر كله ) نصيب ( على وجه الاختصاص ) برحمتنا ( بما لنا من العظمة ) من نشاء ( من مستحق فيما ترون وغيره ، لا نسأل عما نفعل ، وقد شئنا إصابة يوسف بهذا ، والثاني أنه محسن يعبد الله فانياً عن جميع الأغيار ) و ( نحن ) لا نضيع ( بوجه ) أجر المحسنين ) أي العريقين في تلك الصفة وإن كان لنا أن نفعل غير ذلك ؛ روى أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحكم في أول فتوح مصر من طريق الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : فأتاه الرسول فقال : ألق عنك ثياب السجن ، والبس ثياباً جدداً ، وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة ، فلما أتاه رأى غلاماً حدثاً فقال : أيعلم هذا رؤياي ولا يعلمها السحرة والكهنة وأقعده قدامه ثم قال : قال عثمان - يعني ابن صالح - وغيره في حديثهما : فلما استنطقه وسايله عظُم في عينه ، وجل أمره في قلبه ، فدفع إليه خاتمة وولاه ما خلف بابه - ورجع إلى ابن عباس قال : وضرب بالطبل بمصر أن يوسف خليفة الملك ؛ وعن عكرمة أن فرعون قال ليوسف : قد سلطتك على مصر غير أني أريد أن أجعل كرسيّ أطول من كرسيك بأربع أصابع قال يوسف : نعم .

الصفحة 60