كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 63
ذكر ما مضى بعدما تقدم من هذه القصة من التوراة : قال : فلما كان بعد سنتين رأى فرعون رؤيا كأنه واقف على شاطىء البحر ، وكأن سبع بقرات صعدن من بحر النيل حسنات المنظر سمينات اللحوم ، يرعين في المرج ، وكأن سبع بقرات صعدن خلفهن من النيل قبيحات المنظر وحشيات مهزولات اللحوم ، فوقفن إلى جانب البقرات السمان على شاطىء النهر ، فابتلع البقرات القبيحات الحسنات المنظر السمينات ، فهب فرعون من سنته ، ورقد أيضاً فرأى ثاني مرة كأن سبع سنبلات طلعن في قصبة واحدة ممتلئة سماناً ، وكأن سبع سنبلات مهزولات ضربهن ريح السموم - وفي نسخة : القبول - نبتن بعدهن ، فبلغ السنبل المهزول السبع سنبلات الممتلئات ، فاستيقظ فرعون فآذته رؤياه ، فلما كان بالغداة كربت نفس فرعون ، فأرسل فدعا جميع السحرة وكل حكماء مصر ، فقص عليهم رؤياهن فلم يوجد إنسان يفسرها لفرعون .
فتكلم رئيس أصحاب الشراب بين يدي فرعون و قال : إني ذكرت يومي هذا ذنبي عند غضب فرعون على عبده ، فقذفني في محبس صاحب الشرطة ، فحبست أنا ورئيس الخبازين - وفي نسخة : الطباخين - فرأينا جميعاً رؤيا في ليلة واحدة ، رأى كل أمرىء منا كتفسير رؤياه ، وكان معنا هناك في الحبس فتى عبراني عند صاحب الشرطة فقصصنا عليه ففسر أحلامنا ، وعبر لكل منا على قدر رؤياه ، وكل الذي فسر لنا كذلك أصابنا ، أما أنا فردني الملك إلى موضعي ، وأما ذلم فأمر بصلبه .
فأرسل فرعون فدعا يوسف عليه الصلاة والسلام ، فأحضروه من السجنن فحلق شعره وغير ثيابه ، ودخل فوقف بين يدي فرعون ، فقال فرعون ليوسف عليه الصلاة والسلام : إني رأيت رؤيا وليس لي من يفسرها ، وقد بلغني عنك أنك تسمع الرؤيا فتفسرها بأحسن تأويل فأجاب يوسف عليه الصلاة والسلام فقال لفرعون : ألعلك تخال إني أجيب فرعون بسلام عن غير أمر الله تعالى .
فقال فرعون ليوسف : إني رأيت في الرؤيا كأني واقف على شاطىء النهر ، وكأن سبع بقرات طلعن من النهر حسنات المنظر بعدهن سمجات قبيحات المنظر مهزولات اللحم جداً ، لم أر على هزالها في جميع أرض مصر ، فابتلعت البقرات المهزولات الضعيفات القبيحات أولئك السبع بقرات السمان ، فدخلهن أجوافهن ، فلم يتبين دخولهن ، وكأن منظرهن قبيحاً كالذي كان من قبل ، فانتبهت فاضطجعت فرأيت أيضاً في الرؤيا كأن سبع سنبلات حسنات في قصبة واحدة ممتلئة سماناً حساناً ، وكأن سبع سنبلات مهزولات ضربهن ريح السموم نبتن خلفهن ، فابتلع السنبل المهزول الضعيف السبع سنبلات الممتلئات الحسان ، فقصصت ذلك على السحرة ، فلم أجد من يبين .