كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 66
يباشر الأمور بنفسه كما هو فعل الكفاة الحزمة ، لا يثق فيه بغيره ) فعرفهم ( لأنه كان مرتقباً لحضورهم لعلمه بجدب بلادهم وعقد همته بهم .
مع كونه يعرف هيئاتهم في لباسهم وغيره ، ولم يتغير عليه كبير من حالهم .
لمفارقته إياهم رجالاً ) وهم له منكرون ( ثابت إنكارهم عريق فيهم وصفهم به ، لعدم خطورة ببالهم لطول العهد ، مع ما تغير عليهم من هيئته بالسن وانضاف إليه من الحشم والخدم واللباس وهيئة البلد وهيبة الملك وعز السلطان ، وغير ذلك مما ينكر معه المعروف ، ويستوحش لأجله من المألوف ، وفق ما قال تعالى
77 ( ) لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ( ) 7
[ يوسف : 15 ] والدخول : الانتقال إلى محيط ، والمعرفة : تبين الشيء بالقلب بما لو شوهد لفرق بينه وبين غيره مما ليس على خاص صفته .
ولما كان المعنى في قوة أن يقال : فطلبوا منه الميرة فباعهم بعد أن استخبرهم عن أمرهم ، وقال لهم : لعلكم جواسيس ؟ وسألهم عن جميع حالهم .
فأخبروه بأبيهم وأخيهم منه ، ليعلم صلاحهم ولا يظن أنهم جواسيس ، عطف عليه قوله : ( ولما جهزهم ) أي يوسف عليه الصلاة والسلام ) بجهازهم ( الذي جاؤوا له وقد أحسن إليهم ؛ والجهاز : فاخر المتاع الذي يحمل من بلد إلى بلد ) قال ) أي لهم ) ائتوني ( أيها العصابة ) بأخ لكم ( كائن ) من أبيكم ( يأتي برسالة من أبيكم الرجل الصالح حتى أصدقكم ، أو أنهم طلبوا منه لأخيهم حملاً ، فأظهر أنه لم يصدقهم ، وطلب إحضاره ليعطيه ، فإنه كان يوزع الطعام على قدر الكفاية ؛ ثم رغبهم بإطماعهم في مثل ما فعل بهم من الإحسان ، وكانقد أحسن نزلهم ، فقال مقرراً لهم بما رأوا منه : ( ألا ترون ) أي تعلمون علماً هو كالرؤية ) أني أوفي الكيل ) أي أتمه دائماً على ما يوجبه الحق ) وأنا خير المنزلين ( أضع الشيء في أولى منازله .
ولما رغبهم ، رهبهم فقال : ( فإن لم تأتوني به ) أي بأخيكم أول قدمة تقدمونها ) فلا كيل لكم ( وعرفهم أنه لا يمنعهم من غيره فقال : ( عندي ولا تقربون ( ومع ذلك فلم يخطر ببالهم أنه يوسف ، فكأنه قيل : فما قالوا ؟ فقيل : ( قالوا سنراود ) أي بوعد لا خلف فيه حين نصل ) عن أباه ) أي نكلمه فيه وننازعه الكلام ونحتال عليه فيه ، ونتلطف في ذلك ، ولا ندع جهداً ؛ ثم أكدوا ذلك - بعد الجملة الفعلية المصدرة بالسين - بالجملة الاسمية المؤكدة بحرفي التأكيد ، فقالوا : ( وإنا لفاعلون ) أي ما أمرتنا به والتزامناه ، وقد مضى عند ) وراودته ( أن المادة - يائية وواوية بهمز وبغير همز - تدور على الدوران ، ومن لوازمه القصد والإقبال والإدبار والرفق والمهلة ، وقد مضى بيان غير مهموز ، وأما المهموز فمنه درأه ، أي دفعه - لأن المدفوع