كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 68
الجارية الناعمة إنما سميت رؤداً من هذا ، وترأد : اهتز نعمة ، وزيد : قام فأخذته رعدة ، والغصن : تفيأ ، والعنق : التوى - كله من الدوران وما يلزمه من الاضطراب ، ورئد الإنسان : صديقه ، لأنه يراوده ويداوره ، والرأدة : أصل اللحى ، وهو أصول منبت الأسنان ، وهو العظم الذي يدور فيه طرفا اللحيين مما يلي الصدغين ؛ ومن الرفق والمهلة : الرؤدة - بالضم ، وهي التؤدة .
ولما أعلمنا سبحانه أنه رغبهم في شأن أخيه ، ورهبهم بالقول ، أعلمنا بأنه رغبهم فيه بالفعل ، فقال عاطفاً على قوله الماضي لهم : ( وقال ) أي يوسف عليه الصلاة والسلام شفقة على إخوته وإرادة لنصحهم فيما سألهم فيه : ( لفتيانه ) أي غلمانه ، وأصل الفتى : الشاب القوي ، وسيأتي شرحه عند قوله تعالى : ( تفتؤا تذكر يوسف ( ) اجعلوا بضاعتهم ) أي ما بضعوه أي قطعوه من مالهم للتجارة وأخذناه منهم ثمناً لطعامهم الذي دفعناه لهم ) في رحالهم ) أي عدولهم ؛ والرحل : ما أعد للرحيل من وعاء أو مركب ) لعلهم يعرفونها ) أي بضاعتهم ؛ وعبر بأداة التحقق تفاؤلاً لهم بالسلامة ، أو ظناً ، أو علماً بالوحي ، فقال : ( إذا انقلبوا ( راجعين ) إلى أهلهم ) أي يعرفون أنها هي بعينها ، رددتها عليهم إحساناً إليهم ، ويجزمون بذلك ، ولا يظنون أن الله أخلف عليهم مثلها نظراً إلى حالهم وكرامة لأبيهم ، ويعرفون هذه النعمة لي ) ولعلهم يرجعون ) أي ليكون حالهم وحال من يرجع إلينا إذا عرفوها ، لردها تورعاً ، أو للميرة بها إن لم يكن عندهم غيرها ، أو طمعاً في مثل هذا ، وإنما لم يبادر إلى تعريفهم بنفسه والتعجيل بإدخال السرور على أبيه ، لأن ذلك غير ممكن عادة - لما يأتي من الحكم البالغة والتدبير المتين ، ودل على إسراعهم في الرجوع بالفاء فقال : ( فلما رجعوا ) أي إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام ) إلى أبيهم ( حملهم ما رأوا - من إحسان الصديق وحاجتهم إليه وتبرئتهم لأنفسهم عن أن يكونوا جواسيس - على أن ) قالوا ياأبانا ( .
ولما كان المضار لهم مطلق المنع ، بنوا للمفعول قولهم : ( منع منا الكيل ( لأخينا بنيامين على بعيره لغيبته ، ولنا كلنا بعد هذه المرة إن لم نذهب به معنا ليظهر صدقنا ؛ والمنع : إيجاد ما يتعذر به على القادر الفعل .
وضده : التسليط ، وأما العجز فضده القدرة ) فأرسل ) أي بسبب إزالة هذا المنع ) معنا أخانا ( إنك إن ترسله معنا ) نكتل ) أي لنفسه كما يكتال كل واحد منا لنفسه - هذا على قراءة حمزة والكسائي بالتحانية ، ولنؤوله على قراءة الجماعة بالنون - من الميرة ما وظفه العزيز ، وهو لكل واحد حمل ، وأكدوا لما تقدم من فعلهم بيوسف عليه الصلاة والسلام مما يوجب الارتياب بهم ، فقالوا : ( وإنا له ) أي خاصة ) لحافظون ) أي عن أن يناله مكروه حتى ندره إليك ،

الصفحة 68