كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 72
عميس رضي الله عنها أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين ) .
قال الإمام الرازي : ومنشأ إصابة العين توهم النفس الخبيثة هلاك من تصيبه .
وقد تقدم معنى ذلك في رواية أحمد وابن ماجه من حديث أبي هريرة مع انضمام حضور الشيطان ، وهذا الاحتياط من باب الأخذ بالأسباب المأمور بها ، لأنها من القدر ، لا من من باب التحرز من القدر ، كما روى مسلم وأحمد وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من الضعيف ، وفي كل خير احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وإن اصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ، فإن ) لو ( تفتح عمل الشيطان ) .
معناه - والله أعلم : افعل فعل الأقوياء ، ولا تفعل فعل العجزة ، وذلك بأن تنعم النظر ، تمعن في التأمل وتتأنى ، حتى تعلم المصادر والموارد ، فلا تدع شيئاً يحتمل أن ينفعك في الأمر الذي أنت مقبل عليه ولا يضرك إلا فعلته ، ولا تدع أمراً يمكن أن يضرك إلا تركته واحترزت منه جهدك ، فإنك إذا فعلت ذلك وأتى أمر من عند الله بخلاف مرادك كنت جديراً بأن لا تقول في نفسك : لو أني فعلت كذا ، فإنك لم تترك شيئاً ، وأما إذا فعلت فعل العجزة ، وتركت الجزم فما أوشك أن تؤتى من قبل ترك الأسباب ، فما أقربك إلى أن تقول ما يفتح عمل الشيطان من ( لو ) .
ولما أخاف أن يسبق من أمره هذا إلى بعض الأوهام أن الحذر يغني من القدر ، نفى ذلك مبيناً أنه لم يقصد غير تعاطي الأسباب على ما أمر الله وأن الأمر بعد ذلك إليه : إن شاء سبب عن الأسباب مسبباتها ، وإن شاء أبطل تلك الأسباب وأقام أسباباً تضادها ويتأثر عنها المحذور ، فقال : ( وما أغني ) أي أجزي وأسد وأنوب ) عنكم من الله ) أي بعض أمر الملك الأعظم ، وعمم النفي فقال : ( من شيء ) أي إن أراد بكم ، سواء كنتم مفترقين أو مجتمعين ، وهذا حكم التقدير ، ثم علل ذلك بقوله : ( إن ) أي ما ) الحكم ( وهو فصل الأمر بما تدعو إليه الحكمة ) إلا الله ) أي الذي له الأمر كله ، لا يقدر أحد سواه على التفصي عن شيء من مراده والفرار من شيء من قدره ، ولهذا المعنى - وهو أنه لا ينفع أصلاً سبب إلا بالله - أنزل الله التسمية مقرونة بهاء السبب أول